قال: "عدوتي ال كورونا ، بسببكِ بدأتُ رحلة الشكِّ المرضية، من شهر كانون الأول 2019 حتى اليوم؛ بدأت أولاً بوضع يدي على رأسي حين أشعر بصداعٍ خفيف، غير أنني أقلعتُ عن هذه العادة، لأن مقياسي غير دقيق، لذلك اشتريتُ ميزانَ حرارة الجسم الإلكتروني من إحدى الصيدليات، أقيس به درجة حرارتي كل فترة قصيرة، كان المقياس فوق المعدل بنصف درجة، إذن، فأنا في بداية طريق الكورونا!
ما إنْ انتهيتُ من قياس الحرارة حتى انتقل الشكُّ لمرحلة أخرى، أحسستُ بالإرهاق والتعب، إذاً فهي الخطوة التالية للمرض، لأن ارتفاع درجة الحرارة سيعقبها بالتأكيد الشعور بالإرهاق، إذاً، يجب أن أحجز نفسي في البيت، وأن ألزم فراشي بعيدا عن عائلتي، خشية أن يكون ذلك هو فايروسك اللعين!
سبحتُ في خيالي قليلاً محاولاً استعادة الشخصيات التي قابلتها في طريقي، فأنا اشتريت من السوق بعض الأغراض، كان موظف السوق يرتدي قفازات، لكنني في السوق نفسه قابلت صديقاً أصر على أن يُصافحني، فهل كانتْ تلك المصافحة هي السبب فيما أشعر به؟! أعرفه، لم يكن مسافراً في الخارج ولكن، ماذا لو التقط العدوى من شخصٍ آخر؟! إذاً هذا احتمالٌ مقبول!
أجريتُ وأنا في سرير نومي بعض التجارب الموصوفة في الصفحات الرقمية، لمعرفة الإصابة بالمرض، ابتلعتُ كمية من الهواء ثم توقفتُ عن التنفس مُدةُ، لقد سعلتُ، إذن فأنا في الطور الثاني من العدوى!
ابتسمتُ وأنا أشتري حاجاتي من مركز تسوق، تخيلتُ نفسي أُجري تجربةً، بأن أتظاهر بالسعال وسط السوق، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ خشيت من عواقب هذه التجربة، لأنها غير مضمونة السلامة!!
ابتعدتُ عن قسم البهارات والتوابل في مركز التسوُّق، لأن روائح البهارات تستدعي حالة العطس المتواصل، ما سيجعل المتسوقين يظنون أني مصابٌ بالكورونا!
أخيراً، أصبح المرضُ هو القاعدة، أما الصحةُ، والسلامة، والعافية، فهي استثناءٌ!
هناك حكمة جديدة هي: (أنت لستَ أنتَ، بل ما يُقرره ويقوله الآخرون عنك).
أصبح مريضُ الكورونا مُطارداً، يخشى أن يُفصح عن اسمه وهُويَّته، خشية أن يُتَّهم بنشر المرض، لم يعد المريضُ في زمن "الكورونا" يستدرُّ العطفَ، والشفقة، والزيارة كما كان، بل أصبح عند كثيرين أخطر من العميل والجاسوس، لأنه سينقل العدوى إلى غيره، وصار كالبعير الأجرب، وفق معلقة الشاعر الجاهلي، طرفة بن العبد حين نبذته قبيلته بعد أن أفلس بسبب إنفاق المال، وصار كحال الجمل الأجرب، حين يُطلى بالقار (الزفت)، ويُفصل عن الإبل!
إلى أن تحامتني العشيرةُ كلُّها.... وأُفردتُ إفرادَ البعيرِ المُعبَّدِ
أضاف: لم أكن أتخيل يوماً بأنني سأصل إلى زمنٍ يُنزعُ مني إحساسي بالصحة والعافية والنشاط، أصبحت صحتي تحتاج إلى أدلة وشهادات رسمية مُصدقة، في زمنٍ أصبح كلُّ البشر مرضى، أما الأصحاء فهم الشاذون عن القاعدة!
تذكرت أنني بطل رواية الكاتب البريطاني، Gerome Klapka Gerome، (ثلاثة رجال في قارب) هذه الرواية كتبها عام 1889م سرد فيها إصابة البطل بالوهم، بعد أن قرأ أعراض الأمراض في أحد الكتب، فاكتشف وهو السليم المعافى أنه مُصابٌ بأكثر من مرضٍ واحدٍ، فسقط مصاباً بالوهم.
حاولتُ الخروج من أزمة الشك، بأن أتابع بعض مسلسلات التلفزيون، غير أن فيروس الكورونا استولى على معظم القنوات الفضائية منذ أكثر من أسبوعين، شرع يبثُّ أخبار غزواته وانتصاراته في هذه المعركة في كل بقاع الأرض".
سخر أحدُهم من حالتنا الراهنة، قال: "لجائحة الكورونا مميزاتٌ، فمن يموتون بهذا الداء لن تُصنع لهم بيوتُ العزاء الكبيرة، سيموتون ببساطةٍ وهدوء، لن تُقدَّم في عزائهم موائدُ الطعام، ولن يتبادل المعزون فيها طرائف الفقيد ونقائصه، وسينسَونه بعد مرور ساعات على فقده، بحكم كثرة بيوت العزاء، هذا هو الموتُ الجميل"!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد