جاءت زيارة قيادة الجهاد الاسلامي، لدولة مصر في توقيت هام، ولبحث قضايا هامة وعاجلة، تحاول الحركة بما تمتلك من سلطة أدبية منع انهيارات جديدة ضمن قراءة تحولات اقليمية نافذة في الوضع الفلسطيني، وهي محاولة لا يمكن الا تقديرها دون تضخيم على اعتبار أنها تنطلق من واجب وطني مطلوب حضوره الدائم، لأحداث تحريك ومنع توسع الحريق أو على الأقل تخفيف حدة توترات حاصلة.

واعتبر أن الخطوة التي نالت تقدير شعبي واسع لحاجة الفلسطينيين بوصفهم "يتامى" من يمسح على رأسهم أو يخفف من معاناتهم ويعزز صمودهم كأرقى وأشرف أنواع المقاومة، ورغم أن الزيارة التي فضل السيدان شلح والنخالة إبقائها دون ضجيج اعلامي لإدراكهم أن مساعيهم تحتاج ارادة أطراف الأزمة كي تثمر، الا أن وسائل الاعلام المحسوبة على الحركة وقعت في فخ التهويل والتبشير اعتمادا على معلومات نشرها موقع مغمور وقد يكون موجه، جعل هدف الزيارة أو المبادرة يقتصر على فتح معبر رفح فقط، وهذا التبسيط يشوش على مساعي قيادة الجهاد على اعتبار أن فتح معبر رفح نتيجة لمقدمات تحل فلسطينا ويرتبط بواقع أمني في سيناء.

ووفق قراءة موسعة للزيارة ومحيطها السياسي الزماني والمكاني أعتقد أن زيارة قيادة الجهاد وسط ترحيب مصري لها أهداف متعددة ضمن تصور "تحريكي" لحالة الجمود الكارثية وانشغال القاهرة وعدم رغبتها في رعاية حوار طرشان مجددا، ومن أهداف الزيارة وفق تحليل له ما يؤيده من شواهد ومعطيات سياسية، وسيجد بالتأكيد من سيعارضه لأسباب شخصية وسطحية.

الزيارة سعت لتخفيف حدة توتر متنامي بين مصر و حماس بعد قرار محكمة مصرية بتصنيف حماس كمنظمة ارهابية وبعد أيام من قرار مماثل بحق كتائب القسام وسط حملة اعلامية مصرية تقودها القنوات الخاصة ضد حماس باعتبارها الابن البكر لجماعة الاخوان المسلمين، وفي المقابل التصريحات النارية لقادة من حماس صوب مصر، وضع متوتر يزيد من مساحة الحريق في العلاقة ويحتاج تهدئة وابقاء خطوط الاتصال مفتوحة، وقد يكون السيد شلح فهم المساعي السعودية عبر السيد خالد مشعل فأراد أن يفتح النافذة المصرية على حماس غزة عبر مشعل الحاضر في جهود سعودية بين مصر وتركيا.

الزاوية الثانية لفهم الزيارة هي خشية الجهاد من القطيعة بين مصر وحماس أن تؤدي لعودة المساعي التركية -القطرية التي بدأت في مؤتمر باريس خلال الحرب لسحب غزة وسلطتها من مصر مع ايماءات واضحة تدعو لاستبدال معبر رفح مع مصر بالميناء بين غزة واسطنبول، والنشاط القطري – التركي لفتح قنوات هدنة مباشرة أو غير مباشرة بين حماس واسرائيل، بعيدا عن القاهرة والسلطة الفلسطينية، والجهاد يعتبر منذ الحرب أن مصر مؤتمنة على القضية الفلسطينية أكثر من أنقرة والدوحة، وهذا معلن وواضح، ويبدو أن موقف طهران مشابه في نفس السياق.

وعطفا على ما سبق يكون الجهاد قد نصح مصر بعدم اهمال هذا التجاذب الاقليمي لجهة تغيب دورها، وسعى لفتح أبواب القاهرة مجددا أمام عودة المفاوضات غير المباشرة بين الوفد الفلسطيني الموحد وحكومة الاحتلال، في ضوء تفاقم معاناة غزة والخروج من الحرب بدون، اتفاق أو نتائج لصالح الاعمار ورفع الحصار وهذا مؤلم ويُحمل على المقاومة التي واجهت في معركة طويلة وشرسة دون استفادة سياسية من حصاد الحرب، فعودة المفاوضات غير المباشرة أصبحت مطلب فلسطيني لا تريده اسرائيل رغم أنه يحصر الخيارات في زاوية مواجهة رابعة لن تنجح في ما فشلت الحروب السابقة بتحقيقه.
وأعتقد أن الجهاد يريد من مصر الموافقة على استقبال اجتماع للاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير باعتباره أهم نتيجة لجولات المصالحة لتحقيق قيادة مشتركة الا أنه أفشل كما أفشلت حكومة الوفاق، وهذا الاجتماع مهم لدعم نتائج وقرارات المجلس المركزي التي تصب في صالح برنامج التوافق المشترك الذي أسست له وثيقة الوفاق التي خطها الأسرى بأعلى درجات الوطنية والذكاء والحكمة، فاستمرار تعثر قيام الاطار المؤقت بدوره القيادي يعني استمرار حالة التفسخ الوطني طولا وعرضا.

مصر أرادت من استقبال الجهاد وتجريم حماس قضائيا تكريم الحركة لمواقفها الوطنية الداخلية وتشجيع سياسة عدم التدخل التي أداها الجهاد بذكاء في أزمني مصر وسوريا، مع العلم أن خلفية علاقة الجهاد بإيران حاضرة في عقل القيادات المصرية الذين يختلفون مع السعودية في الملف السوري، ولا يحبذون حرب سنية – شيعية تنهك الجميع، ومن المؤكد قوميا وعربيا واسلاميا أن الجميع يفضل أن تكون مصر مركز توازن في المنطقة يجمع ولا يفرق وبمنع الحروب ويرجح كفة التفاهم والاستقرار بدلا من مصائب مخطط لها بدهاء يستفيد منها أعداء المنطقة.

الجهاد يمتلك تقدير وطني ويستطيع أن يلعب دور "اطفاء الحرائق" في العلاقات الداخلية والخارجية، رغم ضعف بنيته التنظيمية، وخشيته من دخول تفاصيل الواقع السياسي المغلق بقرار من حركتي فتح وحماس، وكذلك أصبح واضحا أن أزمة غزة الحالية مفاتيحها لدى حكومة الوفاق ومدى القدرة على اجراء الانتخابات وهما ملفان لا علاقة للجهاد بهما حتى الآن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد