يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ان التسريبات التي نشرت في صحيفة "يديعوت أحرونوت" من قبل الكاتب الصحافي ناحوم برنياع، والتي تتحدث عن تنازلات سياسية قدمها نتنياهو للرئيس ابو مازن خلال حكومته السابقة، ومنها الاستعداد للعودة الى حدود عام ١٩٦٧ مع تبادل طفيف للأراضي، وإخلاء مستوطنات وتقسيم القدس والقبول بعودة جزء من اللاجئين هي مؤامرة تنفذها الصحيفة ومالكها نوني موزيس، بالتعاون مع الإدارة الأميركية لإسقاطه ومنع انتخابه مرة أخرى.

وقد يكون هذا الكلام دقيقا بشكل كبير بالنظر الى ان نتنياهو تجاوز الخطوط الحمراء في العلاقة مع البيت الأبيض عندما نسق زيارته لأميركا وخطابه أمام الكونغرس الأميركي بدون علم إدارة الرئيس باراك أوباما، وفي خطوة مضادة للموقف الأميركي من موضوع الملف النووي الإيراني، حيث يعارض نتنياهو المحادثات مع إيران والتوجه الأميركي للتوصل الى اتفاق معها على هذا الموضوع، الامر الذي يرى فيه، حسب ادعائه، خطراً على إسرائيل لأنه يتيح لإيران ان تبقى دولةً على حافة امتلاك السلاح النووي، ويبقي قدراتها على تخصيب اليورانيوم الى درجة الاستخدام العسكري بانتظار القرار بإنتاج السلاح النووي، وهو ما يمكن ان يدخل المنطقة في سباق التسلح النووي الذي يدفع الدول العربية الى الحصول على هذا السلاح مباشرة بعد إيران، ما يفقد اسرائيل تفوقها باعتبارها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية وأسلحة دمار شامل متنوعة.
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس والتصفيق المتكرر الذي حظي به لم يساعده كثيراً في العملية الانتخابية، حيث لم تظهر استطلاعات الرأي وبقي حزب "الليكود" يراوح مكانه في المرتبة الثانية بعد ائتلاف (المعسكر الصهيوني) الذي يضم حزبي (العمل ) و (الحركة) بفارق مقعدين، بل ان نتنياهو تلقى صفعة قوية بما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" على لسان الصحافي برنياع، فهذا النشر افقد نتنياهو توازنه وبدأ في إطلاق تصريحات عبيطة تعبر عن فقدان التوازن، وتظهره أمام الجمهور الإسرائيلي بصورة من لا يعرف ماذا يفعل ومن يمارس الكذب والمناورات السياسية غير المحكمة.
فعدا عن تكذيب منا نشر على انه وثيقة قدمها للرئيس أبو مازن تتناول ما قيل انه تنازلات جوهرية، قام بنفي ما قاله في جامعة بار إيلان وعرف بخطاب بار إيلان الذي قالوا عنه انه يعترف بحل الدولتين مع ان هذا الكلام غير دقيق، وعاد مكتبه الى نفي النفي، وصدرت عن حزبه تصريحات تتحدث عن رفض الانسحاب من الضفة وإخلاء المستوطنات والتمسك بالقدس موحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، أي انه يذهب باتجاه رفض فكرة التسوية السياسية بالمطلق.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه مع زعماء "الليكود" ففي عام ١٩٩٢ اسقط الأميركيون رئيس الحكومة آنذاك اسحق شامير بعد أن تحداهم في مؤتمر مدريد، وبسبب تأجيل دفع ضمانات القروض بعشرة مليارات دولار لتمويل استيعاب المهاجرين الروس والإثيوبيين فشل شامير وانتهت حياته السياسية.
والآن يتحدثون عن مصير مشابه لنتنياهو اذا ما خسر "الليكود" الحكم وتمكن ( المعسكر الصهيوني ) من تشكيل حكومة بدونه، وهذا احتمال وارد في ضوء التخبط الذي يغرق فيه نتنياهو والذي قد يزداد شدة اذا ما ألقيت قنبلة سياسية أُخرى خلال الأسبوع الأخير الذي يفصل إسرائيل عن الانتخابات العامة التي ستجري في السابع عشر من هذا الشهر.
ولا شك ان التظاهرة الكبيرة التي نظمتها المعارضة في ميدان رابين في يوم السبت الماضي والتي كانت تحت عنوان تغيير الحكومة اي إسقاط نتنياهو والخطاب المؤثر الذي ألقاه رئيس جهاز الموساد السابق مائير داغان وتحدث فيه عن خطر قيادة إسرائيل على مستقبلها، سيكون له اثر ما على الرأي العام وعلى نتيجة الانتخابات، خصوصاً بعد ان هاجم نتنياهو والمقربون منه داغان، ما اضطر رئيس "الشاباك" السابق يوفال ديسكين للدفاع عنه في وجه الهجوم الشرس الذي تعرض داغان له.
وعموماً يشكل موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المعارض لسياسة نتنياهو خطاً فاصلاً بين الصواب والخطأ في الساحة الإسرائيلية، خاصة بعد ان أضحى موضوع الأمن متداولاً في الحملات الانتخابية ولم يعد " تابو" ومن المحرمات في السياسة الإسرائيلية، وهذا ينطبق على موقف حكومة نتنياهو من مسألة وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية للسلطة الذي تعتبره الأجهزة الأمنية في اسرائيل بمثابة لعب في النار يهدد الأمن الإسرائيلي.
ويمكن القول كذلك ان قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل سيترك اثراً على الانتخابات، وبالذات لأن المجلس اتخذه رداً على سياسة حكومة نتنياهو التي تتنكر للاتفاقات، وحتى لو لم تطبق السلطة هذا القرار بانتظار نتائج الانتخابات في إسرائيل ربما استجابة لضغوط أميركية ودولية، وحتى لا يشكل ورقة يمكن استغلالها في العملية الانتخابية، الا انه بات واضحاً ان عودة نتنياهو للحكم واتباع نفس السياسة السابقة سيدفع الفلسطينيين للذهاب في قرارات المجلس المركزي حتى النهاية، وهذا يعني تنفيذ قرار وقف التنسيق الأمني مع كل ما يمكن ان يترتب على ذلك من خلل جوهري في العلاقة مع إسرائيل في مختلف مجالات التعاون والتشابك التي لا تقتصر على الأمن، فالتنسيق الأمني يطال كل تفاصيل الحياة الفلسطينية من اقتصاد وصحة وحركة واتصالات وغيرها، فكل شيء يمر عبر الإدارة المدنية اي عبر الحكم العسكري.
الدعاية الانتخابية في إسرائيل في أوجها والوحيد الذي يتخبط ويمارس الأخطاء بصورة فجة هو نتنياهو والقائمون على حملته الانتخابية، وهناك سقطات عديدة سجلت ضده وأصبحت موضوع تندر في الساحة الحزبية الإسرائيلية، ومع اقتراب موعد التصويت ربما تحدث مفاجآت، وهناك أحزاب تلقي بأوراقها الأخيرة في آخر لحظة. المهم الا نخطئ نحن ونساعد نتنياهو وخاصة بالقيام بعمليات قد تدفع الجمهور لانتخابه باعتباره المدافع العنيد عن أمن إسرائيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد