لأول مرة منذ عام 1999، أي منذ أن نجح آخر رئيس حكومة عمالي، أيهود باراك في الوصول إلى المنصب الأول في إسرائيل كعاشر رئيس حكومة في تاريخها، هناك فرصة لأن يكون اسحق هيرتسوغ زعيم حزب العمل، ورئيس «المعسكر الصهيوني» الانتخابي رئيسا للحكومة الإسرائيلية القادمة.
صحيح أن الاحتمال ليس قويا إلى درجة حاسمة أو مؤكدة، وان كان الاحتمال الثابت هو أن القائمة الانتخابية التي يقودها حزب العمل تنافس بقوة حزب الليكود على المكانة الأولى في الكنيست العشرين والتي تؤهل تلقائيا زعيمها ليتم تكليفه من قبل رئيس الدولة بتشكيل الحكومة، حينها قد لا ينجح هيرتسوغ في تشكيل الحكومة، لأن ذلك يحتاج أغلبية برلمانية قد تكون مع ذلك، أي مع احتمال أن تظفر قائمة حزب العمل الانتخابية بالمكانة الأولى، ذات طبيعة يمينية، بما يعني عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة، ولكنه لن يتمتع هذه المرة بأغلبية برلمانية يمينية كاسحة تطلق يده المتطرفة في كل اتجاه، كما كان الحال خلال السنوات الخمس عشرة السابقة.
ما يثير الاهتمام في هذه الانتخابات الإسرائيلية، ليس فقط عودة حزب العمل واليسار الإسرائيلي عموما إلى المنافسة بعد طول سبات وحسب، بل لعل ظهور القائمة العربية المشتركة كقوة انتخابية يعتبر ظاهرة مهمة للغاية، بل وتاريخية لم تشهد لها دورات انتخابات الكنيست التسع عشرة السابقة مثيلا، فبعد أن كان العرب / الفلسطينيون يحجمون عن المشاركة في الانتخابات، توزعت أصواتهم في السابق على عدة قوائم عربية ومختلطة، عربية / يهودية، ذات توجهات يسارية، مع مشاركة بعض القوى والشخصيات ضمن أحزاب صهيونية (العمل والليكود) بحثا عن مناصب تنفيذية، فيما كان يقتصر الوجود العربي على التواجد في الكنيست دون المشاركة في الحكومات المختلفة، حتى حين شكل ظهور العرب عام 1992 حدثا بارزا، كما هو الحال هذه المرة، أي حين نجح حزبا العمل وميريتس في الفوز بـ 56 مقعداً ( 44 عمل + 12 ميرتس ) مع خمسة مقاعد للعرب شكلت لتحالف العمل / ميريتس شبكة أمان مكنته من عقد اتفاقات أوسلو، لكن لم يسبق وان شاركت الأحزاب العربية في الحكم.
ولأن التطرف اليميني الإسرائيلي خلال خمسة عشر عاما وصل إلى ابعد مدى، لدرجة أن هذه الانتخابات المبكرة أراد لها اليمين أن تكون استفتاء على «يهودية الدولة» بما يعني أولاً قطع الطريق رسمياً ونهائياً على حل الدولتين، كذلك فرض نظام فصل عنصري داخل إسرائيل يضع العرب أمام احد خيارين: إما التهود وليس الأسرلة فقط، أو مغادرة البلاد، أي محاولة تحقيق ما عجزت عنه كل حكومات إسرائيل السابقة، من تهجير لنحو ربع سكان إسرائيل!
محاربة الليكود ونتنياهو لحل الدولتين وإغلاقه الأبواب في وجه السلطة الفلسطينية من جهة، وشعارات افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية في القدس والضفة والقطاع، وحقوق المواطنة لعرب / فلسطيني إسرائيل، استفز الكتيبة الفلسطينية المتقدمة على جبهة الكفاح المباشر، في خندق المجابهة الوطنية، فكان أن جعلت الجماهير العربية وقواها الوطنية المناضلة من مناسبة انتخابات الكنيست العشرين، فرصتها في الاشتباك الانتخابي مع اليمين الإسرائيلي، بما يزيد من فرص إلحاق الهزيمة الانتخابية به، وفرض الانكفاء السياسي عليه.
استطلاعات الرأي التي تمنح أحد الكتلتين الأكبر _ الليكود أو المعسكر الصهيوني _ نحو 24 مقعداً، تمنح العرب نحو 12 / 13 مقعداً، حيث باتت القائمة العربية تنافس على المكانة الثالثة، التي طالما حددت خلال الدورات البرلمانية الثلاث أو الأربع السابقة وجهة الحكومة ( ليبرمان، لبيد وبينيت )، ومع ذلك نقول بأنه لو كانت نتائج الانتخابات تشكل تمثيلا حقيقيا للواقع على الأرض، لكان من حق العرب أن يفوزوا بنحو 20 _ 22 نائباً، أي نحو خمس أعضاء الكنيست المائة وعشرين.
في كل الأحوال، لا بد من القول إن هناك عوامل عديدة تشابكت لتصنع حبلاً، بات يلتف شيئاً فشيئاً حول رقبة نتنياهو السياسية، ولو ذهب لآخر الشوط، كما هو متوقع في مواجهته للبيت الأبيض، بخطابه في الكونغرس ضد السياسة الأميركية تجاه إيران، فإن هناك احتمال أن تنشر واشنطن ما يؤكد موافقة نتنياهو على اتفاق الإطار قبل عام مع الفلسطينيين.
وإذا ما أضفنا لذلك الفضائح المالية التي تحيط بمصاريف زوجة الرجل الخاصة، كذلك الكفاح الفلسطيني في الأمم المتحدة، ونجاح سياسة أبو مازن منذ تولى رئاسة السلطة قبل عشرة أعوام الحثيثة في «احتواء» اليمين الإسرائيلي، بإغلاق أبواب المواجهة العنيفة التي تؤهل كلا من « حماس » والليكود للبقاء على الأرض وفي الحكم، كذلك تجربة الفلسطينيين السياسية في داخل إسرائيل وفي كل من غزة والضفة والقدس، تقول بأن سيطرة اليمين الإسرائيلي الكاسحة والمستمرة منذ عقود، في طريقها للتلاشي أو التراجع، على اقل تقدير، وان الفلسطينيين بحكمتهم وكفاحهم المتزن، يحدثون دائما «الفارق» داخل إسرائيل، تماماً كما يفعل التطرف والتطير والعبث السياسي العكس، فكلما فقد الفلسطينيون البوصلة والاتزان تزايدت قوة وسطوة اليمين الإسرائيلي، وكلما صمد الفلسطينيون وقاموا وكافحوا الاحتلال على كل الجبهات وفي كل المحافل، ظهر اليمين كقوة مضادة للعالم والإقليم ولمستقبل الإسرائيليين في المنطقة، عاجزة عن صنع السلام، تقود إسرائيل إلى الحروب المتواصلة، والى التآكل الداخلي والعزلة الخارجية.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد