لطالما قلنا كفلسطينيين، والكثير من المثقفين والمفكرين العرب المعارضين منهم على وجه الخصوص للأنظمة الاستبدادية، بأن الأنظمة العربية الرسمية تستمد في معظم الأحيان، شرعيتها، أو جزءا من شرعيتها من خلال مزايداتها على القضية الفلسطينية.
وتاريخياً لم يخل الجدل السياسي من انتقادات حادة للسياسة الفلسطينية الرسمية التي تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وتفضل مسايرة النظام الرسمي العربي، حتى باتت أي السياسة الفلسطينية الرسمية، جزءاً أصيلاً من النظام العربي الرسمي.
دون كثير الكلام أو قليله حول ما تتعرض له المنطقة العربية من مؤامرات، وصراعات داخلية دموية في معظم الأحيان، وما تتعرض له الكيانات الجيوسياسية الوطنية من محاولات لتفتيتها، وتدمير قدراتها، بما يسهل على الدول الاستعمارية بسط هيمنتها، وسرقة ثروات المنطقة، ويوفر لإسرائيل الأمن والاستقرار، دون كل ذلك، ثمة ضرورة للفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية كقضية معيارية، وربما خشبة خلاص.
ودون الحاجة للخوض في دوافع وأهداف المعارضات العربية، وكذا الأنظمة الصامدة، أو الآيلة للسقوط، ودون الحاجة إلى الجدل رغم أهميته بشأن التناقض الصارخ، بين الجماعات السياسية الإسلامية وبينها وبين التيارات الوطنية والديمقراطية والليبرالية عموماً، تبرز الحاجة إلى تقديم القضية الفلسطينية كقضية معيارية، وربما وأيضاً كخشبة خلاص.
منذ بعض الوقت أشرنا في مقالات سابقة إلى طبيعة الصراع في سورية كنموذج، وتساءلنا، ماذا لو أن النظام السوري، أدار قرص التناقض الداخلي، نحو فتح الصراع والاشتباك مع إسرائيل التي تحتل الجولان السوري، وأرض فلسطين التاريخية.
في الواقع كان هذا سيضع المعارضة بكل أطيافها التي تنشد التغيير من أجل الديمقراطية، والعصرنة، أو التي تنشد إقامة الخلافة الإسلامية، أو دولة الإسلام العصرية، حيث ستكون هذه التيارات أمام امتحان الوطنية ودوافع التغيير، فهي إما أن تثبت وطنيتها ومعاداتها للمخططات الأميركية الإسرائيلية وإما أن ينكشف ظهرها، وتنكشف أهدافها ودوافعها وتحالفاتها.
الشعب السوري بكل قواه، دفع ثمناً باهظاً جداً في مربع الصراع الداخلي الدموي، فعدا أكثر من مئتي ألف لاقوا حتفهم وعشرات آلاف الجرحى، وملايين المشرّدين، فإن الاقتصاد السوري الذي كان مستقراً بحدود معقولة، قد تلقى ضربات مدمرة، وتلقى الجيش السوري ومنظومة الأمن القومي ضربات مدمرة أيضاً.
والسؤال هو هل كانت سورية النظام والمعارضة والشعب والوطن ستدفع مثل هذه التكلفة لو أنها تحولت نحو الاشتباك والصراع مع المحتل الإسرائيلي، وهل كانت سورية ستكون في هذا الموقع المعزول نسبياً على الصعيدين العربي والإقليمي؟
الجواب واضح، ذلك أنه وفق كل السيناريوهات المحتملة، فإن سورية ما كانت تتعرض، لما تتعرض له منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولا تزال الأوضاع غير مستقرة، وتمضي نحو المزيد من الصراع والمزيد من تقديم الضحايا.
السؤال يطرح مرة أخرى، وبكثير من الثقة على ما تبقى من الأنظمة العربية سواء التي تخوض صراعات دموية داخلية، أو تلك التي تنتظر وسيأتيها الدور.
بالتأكيد نحن لا نتمنى أن تنتقل عدوى الصراعات الدموية، التدميرية والتقسيمية إلى بقية الدول العربية، التي تبدو وكأنها بمنأى عن هذا السرطان، لكن السياسة لا تعرف التمنيات ولا تقوم على النوايا فثمة قوى كبرى دولية، وإقليمية تتربص بالجميع، وثمة قوى محلية وجماعات مستعدة للعب الدور ذاته الذي تلعبه في سورية والعراق واليمن وليبيا، ومصر.
نظرياً كل الجماعات السياسية من الإسلام السياسي الذي يصنف نفسه بالاعتدال، إلى من يصنفه الآخرون بالتطرف، إلى كل القوى والجماعات الوطنية والقومية والاشتراكية، والحركات الاجتماعية، وكل الأنظمة القديمة والجديدة، ترفع شعارات تتعلق بالقضية الفلسطينية غير أن السلوك لا يتفق أبداً مع هذه الشعارات.
الواقع يقول إن مكانة القضية الفلسطينية تراجعت في اطار المشهد السياسي الجاري على مستوى الوطن العربي، ولأسباب ودوافع، أصبحت قضية مواجهة الإرهاب هي التي تحظى بأولوية السياسات والأفعال.
نحو أربع وتسعين دولة تتحالف بقيادة الولايات المتحدة، لمحاربة الدولة الإسلامية وأخواتها، وسواء من يشارك في هذا التحالف من الدول العربية، أو من لا يشارك، فإن الجميع يكرس خطابه السياسي والعمل تحت لافتة محاربة الارهاب.
يجري هذا رغم أن الخطاب السياسي والإعلامي بعموميته، وخاصة الرسمي منه لا يتجاهل الإشارة، وبوضوح إلى طبيعة المخططات التي تتعرض لها المنطقة، والأطراف التي تدير هذه المخططات وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.
غير أن هذه الإشارات القوية لتلك المخططات ومن يديرها ويقف وراءها لا تقترن بسياسات عملية، مكرسة لمواجهة هذه الأطراف ومخططاتها وكأن من يرفعون هذه الإشارات والشعارات، يخشون هذه الأطراف، أوانهم يمالئونها طمعاً في تجنب تآمرها.
لماذا تبدو القضية الأساسية وكأنها تعبير عن صراع ديني بين الإسلام والمسلمين، ومشاريعهم وبين الأجنبي، أو العلماني، فيما هي صراع وطني وقومي بامتياز؟
في هذا المخاض التاريخي الصعب والعسير الذي تتعرض له المنطقة العربية، تعود القضية الفلسطينية، لتنبه العرب المتصارعين على السلطة، والمشاريع، إلى أنها جوهر الصراع في المنطقة، والقضية المعيارية الأساسية، لكل من ينطق بالوطنية، أو بالإسلام أو بالحقوق. وعلينا نحن الفلسطينيين أن ننبه أشقاءنا العرب، المتصارعين، بأن إسرائيل تقوم بسرقة ومصادرة الأرض والحقوق الفلسطينية، وان ذلك ليس إلاّ مقدمة، والفصل الأول من مشروع تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، الذي يرسمه علمها، وربما لا تكتفي أو تتوقف عند تحقيق شعار من النيل إلى الفرات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد