الصراع على أرض فلسطين، ليس شكلاً من أشكال الرفاهية الفكرية والسياسية، أو استجابة لرغبات ذاتية، لمؤيدي هذه الرواية أو تلك، لهذا المشروع أو ذاك، إنه صراع دام، يدفع الطرفان أثماناً باهظة من حياة البشر حتى يستمر، وإن كان لا يتم بشكل عادل ومتوازن، لسبب جوهري وهو أن ميزان القوة بين الطرفين، غير متكافئ، فالمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يملك التفوق الذاتي بشرياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً واستخبارياً، على حساب المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني الأضعف.
ومع ذلك بدا أن التحول التدريجي البطيء، يسير باتجاه خدمة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، واستنزاف المشروع الإسرائيلي وإنهاكه معنوياً وأخلاقياً، وإن كان ذلك بطيئاً ومحدداً، ولكنها الخطوات الأولى المهمة والقوية والمطلوبة، فالمجتمع العربي الفلسطيني على مجموع أرض فلسطين، لم يعد الأقل عدداً، فلديه الآن ما يقارب خمسة ملايين وثمانمائة ألف نسمة، في مواجهة ستة ملايين ومائة ألف نسمة من الإسرائيليين اليهود، وهو عدد متقارب نسبياً، وهو العنصر الأهم في عناوين الصراع بين المشروعين الفلسطيني والإسرائيلي وهما الأرض والبشر، فقد سعت الصهيونية لاحتلال الأرض، وطرد البشر أصحاب الأرض وإفقارهم، ونجحت في احتلال كامل الأرض، بشكل تدريجي متعدد المراحل، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في طرد كامل الشعب العربي الفلسطيني عن أرض وطنه فلسطين، سواء من مناطق 1948، أو من مناطق1967، وهذا هو العنصر الأول وأحد أهم مقومات الصراع، ومقدماته الضرورية لتحقيق الانتصار الفلسطيني، وهزيمة المشروع الإسرائيلي الصهيوني.
أما العنصر الآخر الجديد، والمهم والقوي، والذي لا يقل أهمية عن العنصر الأول فهو اكتساب انحيازات إسرائيلية لعدالة المطالب الفلسطينية ومشروعيتها، لقد كتبت عن أهمية انحياز أبراهام بورغ للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وانتقاله من الموقع الصهيوني القومي المتعصب، إلى رؤية الشراكة ورفض العنصرية وانحيازه لبرنامج الجبهة الديمقراطية كفصيل عربي فلسطيني يهودي مشترك، يضع حلولاً ديمقراطية تستجيب للمصالح الوطنية الفلسطينية، في المساواة داخل مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، والعودة للاجئين، وكتبت رسالة له، رداً على رسالته التي وجهها للوسط العربي الفلسطيني في إسرائيل يوم 12/12/2014، ووصفت انحيازه بالمعايير العسكرية على أنه بمثابة سرب طائرات، أو كتيبة دبابات، أو لواء جنود، تعبيراً عن أهميته، باعتباره رافعة معنوية لمجمل النضال الوطني الفلسطيني.
ولكن ما هو مهم، ولا يقل أهمية عن أبراهام بورغ، تلك الرسائل التي وجهها قطاع من الشخصيات الإسرائيلية، من أصحاب الضمائر الحية: غروسمان وعوز ويهوشع، ومن موقع الولاء لإسرائيل والخوف عليها من تطرفها وعنصريتها، وجهوا ولا زالوا يوجهون رسائل إلى البرلمانات الأوروبية وفي العديد من بلدان العالم، وإلى ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، يطالبون فيها بدعم طلب منظمة التحرير الفلسطينية بنيل الاعتراف الدولي بقيام الدولة الفلسطينية في حدود مناطق الاحتلال الثانية العام 1967، وهو توجه لاقى الانتقادات والشجب والاستنكار والإدانة من قبل قطاعات إسرائيلية مختلفة، لأن هذه الرسائل تشكل لطمة إسرائيلية من قبل إسرائيليين على وجه الاحتلال والتوسع وللمشروع الصهيوني برمته، مهما بدت هذه الخطوة متواضعة، أو مهما بدا أصحابها في مواقع متواضعة، ولكنها خطوة جريئة وقرار شجاع من قبل بعض الإسرائيليين لمصلحة الشعب الفلسطيني المنكوب والمحتل والمهجر، وتشكل رافعة إضافية، وإن لم تكن مادية، رداً على الوضع السياسي السائد والمظلم فلسطينياً بسبب الانقسام والحصار والضعف وعدم القدرة على اتخاذ زمام المبادرة، وعربياً بسبب الانكفاء العربي الرسمي والشعبي عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية لحساب "داعش" و"القاعدة" وهيمنة أحزاب وتنظيمات التيار الإسلامي العابرة للحدود على مقدرات الحركة السياسية العربية واهتماماتها المحلية بهدف السيطرة على مؤسسات صنع القرار في بلدان الربيع العربي، ودولياً تحظى سورية وأوكرانيا والوضع الاقتصادي وبروز مقدمات الحرب الباردة في اهتمامات واشنطن وموسكو وأوروبا، دون إعطاء أي اهتمام جدي لمعاناة الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المنهوبة في المساواة والاستقلال والعودة.
انحيازات إسرائيلية علنية، مهمة، تُضيف للرصيد الفلسطيني قوة وعدلاً وصواباً على أن مشروع الفلسطينيين وتطلعاتهم ونضالهم، مُحق وعادل وصائب، وأنه على الطريق، مهما بدت الطريق طويلة وصعبة وشاقة، ولكن نتيجتها الانتصار، والانتصار الأكيد.

h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد