يحار المواطن العربي في متابعاته التلفزيونية أي أزمة يتابع، ذلك أن الفضائيات المنتشرة في كل الأرجاء، تعالج الأزمات التي يكتظ بها عالمنا العربي، باستفاضة أوصلت المواطن حد الاشباع، فما أن تقع مجزرة نخالها الأكبر في سلسلة المجازر التي تغطي أرض العرب، حتى تقع مجزرة أكبر أما في نفس اليوم أو في اليوم التالي، وما أن يخيل إلينا أن بلدا ما أفلت من عنق الزجاجة وأقلع بعيدا عن مآسي الأزمات، حتى يقع حادث يعيد الأمور إلى الوراء أي إلى زمن بدء الأزمات واستفحالها. 

وفي الوقت الذي شدتنا كثيرا واقعة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة وسيطرت على مشاعرنا وأحاديثنا، حملنا طائر الأزمات الأسطوري إلى اليمن، الذي كان يسمى عبر معظم أحقاب التاريخ باليمن السعيد، والذي قيل عنه بجدارة، أن الحكمة يمانية، فاذا به اليوم يبدو مهددا وفاقدا لأهم خصائصه، فلم يعد اليمن سعيداً ولم يعد موطن الحكمة، ذلك أن هذا البلد تحولت نعمة المكان الاستراتيجي عليه الى نقمة، وتحول الوعد بالاكتفاء إن لم نقل الثراء، إلى خطر ذي السنة متعددة يطوق كل بيت وكل قرية ومدينة بل وكل إنسان، لقد حاول هذا البلد تفادي الحرب الاهلية التي لو استفحلت لفرشت ارضه بالدم، فتظاهر سلميا وحيّد السلاح للإطاحة بنظام صالح الذي يشبه النظام الملكي من كل الجوانب سوى انه بلا تاج، وفتحوا ابواب صنعاء للحوثيين كي يتمددوا وبلا مقاومة ليجتاحا كل معالم الدولة والحكم، مراهنين على ساعة عقل يوفر فيها الحوار ما لا يمكن ان توفره الحرب، وتعاملوا مع التطرف الاسلامي بأقصى قدر ممكن من درء شروره والحفاظ على المجتمع اليمني بعيدا عن عصف هذا النوع من الحروب، لعل وعسى معجزة تقع تعيد اليمن ولو نسبيا الى حالة من الاستقرار او عدم الانزلاق الى انفجار شامل، غير ان كل هذه المحاولات وبكل اسف باءت بفشل ذريع ويدفع اليمنيون الان ثمن حسن الظن تمزقا مأساويا يصيب البلاد والمجتمع، وسيدفع الحوثيون ثمن سوء الفهم والتقدير من نفوذهم الذي قد يصل درجة الصفر لأنهم فوتوا فرصة تسوية تضمن لهم شراكة متفوقة في بلد لا يمكن ان يقبل هيمنة فئة على سائر الفئات ولا طائفة على سائر الطوائف. 

إنني أحب اليمن وقد زرته ومكثت فيه أياما وليالٍ، وتعرفت على اهله الذين اسميناهم نحن الفلسطينيين بالانصار، وحين كان اليمن شطرين شمالي وجنوبي، اسموا فلسطين الشطر الثالث، لهذا فان حزنا شديدا يجتاحني وانا اتابع ما يجري في هذا البلد المحب الحنون المضياف، واشد ما يحزنني حين ارى ان هذا البلد تمت جرجرته ليكون ساحة لصراع عبثي فيه اجندات ليس لها من فرصة للتحقق بل لها كل الفرص لتدمير اليمن. 

نحن الآن منشغلون بهذا البلد المهدد بالفشل، ويعلم الله بماذا سننشغل غدا في مكان آخر من عالمنا العربي المتفجر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد