لم يحرق معاذ الكساسبة على يد "داعش" وإنما حرقت الأمة العربية والإسلامية، والعزاء ليس لآل الكساسبة والكرك والأردن وإنما عزاء للإنسانية، الجميع يتفق أن ما يحدث باسم الله وباسم الأديان_ليس فقط الإسلام_ بعيد كل البعد عن الدين والله. لأن الله لم يوجد الدين حتى نتقاتل ونسفك دماءنا باسم الرب، لم أسمع مثلاً نزاعا حول من يعمل عملاً صالحاً للأمة، لم أسمع أن هناك تنافسا بين الأديان للحفاظ على أنعام الله التي رزقنا بها من أجل مساعدتنا في إعمار كوكب الأرض!!
جميع الأديان السماوية وغير السماوية من البوذية حتى الإسلام إذا ما قرأنا نصوصه المقدسة نجدها تأمر وتحث البشرية على السلام والمحبة والتسامح، وعدم التوجه إلى العنف كأداة لحل المشاكل_ حتى النزاع_ مع الآخر المختلف، لهذا لا أجد من العقلانية أن يتصرف رجال الدين أو من يدعي بأنه خليفة الله على الأرض عكس ذلك، بل عليه أن يكتسب الصفة ويحولها لسلوك يومي من النبل والإيثار والتسامح الإنساني الرحب اذا كانوا حقاً مؤمنين بتلك النصوص المقدسة.
هجمات الرهبان البوذيين على المسلمين في ميانمار بعملية تطهير عرقي... رجال الدين اليهودي يحرقون طفلا فلسطينيا بعد تعذيبه، "داعش" والكل يعلم ما يقومون به... الإساءة للقرآن الكريم من قبل رجل دين مسيحي في أميركا. ما يحدث من تقسيمات في هذا العصر سني.. كاثوليكي.. شيعي.. قبطي.. أرثوذوكسي... درزي.. كردي.. علوي.. جعلنا في زمن الماضي وصراع الكنيسة وربما أخطر من ذلك، لسبب بسيط وهو استخدام الدين كأحد أدوات السياسة لامتلاك السلطة ثم ممارستها، ما يجعل الدين المظلة ثم الحاضنة لتفريخ العنف والتطرف والإرهاب أياً كانت جذوره وهويته ونصوصه المقدسة ومكانه الجغرافي.
إن ما تقوم به الماكينة الإعلامية لداعش هو تطبيق لخطط إستراتيجية إعلامية وليس عملا عبثيا يتم التفاعل مع بطريقة غير مدروسة، ساذج من يقلل من فعل القتل الإجرامي الذي يقومون به، لأن القضية ليست حسب رأيي تطبيق النصوص المقدسة على صعيد الشريعة الإسلامية، لأسباب كثيرة منها:
أولاً: عملية القتل ذاتها تتنافى كلياً مع تطبيق الأحكام الإسلامية. ثانياً: على اي قاعدة استند من يُصدر أمر القتل؟ وهل هو مخول حسب الشريعة ذاتها التي ينطلق منها بأخذ الأحكام. ثالثاً: هل يتم تفضيل نصوص مقدسة على نصوص مقدسة أخرى؟ ولمصلحة من يتم ذلك؟ فهم يعارضون على سبيل المثال لا الحصر النصوص القرآنية التالية من خلال أفعالهم "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" سورة النحل "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" سورة الكهف "أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ" سورة يونس "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ" سورة الغاشية.
من زاوية أُخرى بذات السياق، إن ما تقوم به "داعش" هو بث الرعب في قلوب المسلمين وغير المسلمين من خلال التفنن في فعل الإجرام، وهذا ما سنلاحظه إذا ما قمنا بدراسة تحليلية للفيديوهات التي تبثها "داعش" من فترة لقترة، فالهدف ليس مجرد القتل وإنما أبعد من ذلك، ليتم تحويل قتل ضحيتها الى أداة كسلاح غير مرئي ترهب بها من سيعاديها ومن لا ينسجم معها.
بعد مشاهدة الفيديو الخاص بقتل الشهيد معاذ الكساسبة، قررت أن أقرأ حول كيف يتم معاملة الأسير المسلم إذا ما تم أسره من قبل مسلمين، يقال بأن النبي محمد (ص) رأى أصحابه وهم يجبرون يهوداً من قريظة، كانوا قد خانوا العهد معه، على الوقوف في العراء تحت الشمس الحارة في الظهيرة، فخاطب حراسهم من المسلمين المكلفين حراستهم: "لا تجمعوا عليهم حرّ الشمس وحرّ السلاح وقيّلوهم واسقوهم حتى يبردوا"، كما نهى عن تعذيبهم وامتهانهم. وحرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى، قال تعالى "ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا" سورة الإنسان. فكيف يتم تجويع الكساسبة خمسة أيام ثم حرقه!! قرأت أيضاً بأن صلاح الدين الأيوبي قال: "إنّ ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان وأن نقابل السيئة بالحسنة وأن نكون أوفياء بعهودنا وأن نصفح عند المقدرة". هذا هو الإسلام وهذا هو الدين الإسلامي الذي يحرّم قتل المدبر في الحرب والجريح الذي يؤسر ولكن يعالج ويعامل بكرامة حتى يفك أسرُه. وأمّا الأسير المسلم فقد اتفق الفقهاء في الدين على حرمة قتله وحرمة غنيمة ماله او سبي ذريته، ومن قُتل منهم غُسل ودُفن وصُلّي عليه.
للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد