احتفلت إسرائيل مبكراً وبلا داع، باستقالة رئيس لجنة التحقيق الدولية حول الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منتصف العام الماضي. رئيس اللجنة البروفسور الكندي وليام شاباس اعتذر عن رئاسة لجنة تقصي الحقائق بعدما تبين له، أنه لا يستطيع الاستمرار في مهمته على ضوء الضغوط التي واجهت هذه المهمة من الجانب الإسرائيلي واللوبي الصهيوني، وأشار شاباس في اعتذاره واستقالته، إلى أنه لا يرغب أن يكون طرفاً في أي تأويل حول نتائج التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل سواءً في قطاع غزة أو في الضفة الغربية.


وزارة الخارجية الإسرائيلية على لسان ليبرمان، اعتبرت هذه الاستقالة نجاحاً للضغوط والاتصالات التي أجرتها الوزارة لإزاحة شاباس عن رئاسة اللجنة، إلاّ أن ليبرمان نفسه، أشار في تصريحه هذا إلى أن "ذلك لن يغير من الأمر شيئاً، ذلك أن تقرير اللجنة كان قد كتب عند تشكيلها وقبل إجراء أي تحقيق" ـ حسب زعمه ـ إذ إن ـ يقول ليبرمان ـ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة معروف بعدائه لإسرائيل ووقف دائماً ضدها في المحافل الحقوقية الدولية.. كلام ليبرمان صحيح تماماً، فهذه اللجنة وهذا المجلس تحديداً، وقف ضد جرائم الحرب التي قامت بها إسرائيل، إثر كافة التقارير والتحقيقات التي أجرتها بنفسها، وبالاعتماد على لجان تحقيق دولية أُخرى، وبالتالي فإن وقوف مجلس حقوق الإنسان ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، يعود بالدرجة الأساسية والجوهرية إلى قيام إسرائيل بجرائم الحرب وليس نتيجة هوىً أو انحياز. مجلس حقوق الإنسان قام بواجبه في تعرية وكشف المدى الذي ذهبت إليه إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب بشعة ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، وهي بذلك إنما كانت، ويجب، القيام بواجبها في اطار مسؤولياتها الموكلة لها من قبل منظمة الأمم المتحدة.


أما وليام شاباس، رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية حول جرائم الاحتلال، المستقيل، فإنه متهم بأنه مناهض لإسرائيل، إذ إنه واثر صدور تقرير غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة في عدوانها الثاني على القطاع، أعرب شاباس أمام لجنة تابعة للأمم المتحدة عن ضرورة محاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت على هذه الجرائم ـ بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى ضرورة استقالة نتنياهو إثر تلك الحرب، لكن الصحيح أن اولمرت هو الذي كان رئيساً لحكومة إسرائيل عام 2008 ـ لكن شاباس، الذي رد على الهجمة المسعورة عليه باعتباره معادياً للسامية ولإسرائيل، بالقول إنه زار إسرائيل عدة مرات، وألقى محاضرات في جامعاتها، وان ذلك لا يعني أن لا يكون له رأي شخصي في الأحداث، وكونه في أي لجنة لا يعني مصادرة حقه في الإفصاح عن موقفه إزاء ما يحدث.


وواقع الأمر، أن إسرائيل اتخذت موقفاً هجومياً مسبقاً فور إعلان الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة شاباس لمجموعة من ثلاثة محققين أعضاء في تلك اللجنة، فقد حذر، في نفس الليلة، مندوب إسرائيل لدى مجلس حقوق الإنسان افيتار مانور، من أن التقرير الذي "سيصدر" عن اللجنة المشكّلة، سيكون خطيراً على إسرائيل، وانها ستقرر إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، الأمر الذي من شأنه أن يمنع مسؤولين إسرائيليين من التنقل بحرية في أوروبا، وتقديم لوائح اتهام ضدهم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.


استقالة شاباس، إثر الضغوط الهوجاء التي مارستها إسرائيل ضده وضد لجنة تقصي الحقائق، جاءت بالتزامن الملفت للنظر مع تبرئة إسرائيل نفسها من الجرائم التي ارتكبها جيشها في يوم الجمعة السوداء في مدينة رفح، أثناء الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، وهي المجزرة التي ذهب ضحيتها 150 مدنياً فلسطينياً على يد قوات الاحتلال، فقد خلصت لجنة التحقيق الإسرائيلية الى أن كافة الاعمال والإجراءات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في تلك الواقعة، كانت تستند إلى "القانون" وبالتالي لن يحاسب أو يتهم أي جندي أو ضابط، كونهم إنما كانوا يقومون بمهامهم!!
لا يجب النظر إلى الضغوط الإسرائيلية التي أدت إلى استقالة شاباس، وكأن الأمر له علاقة باتهاماتها ضده، ذلك أن إسرائيل، وعلى الدوام، ضد أي لجنة تحقيق دولية، بصرف النظر عن رئاستها وأعضائها، إنه موقف مبدئي في مواجهة أية تحقيقات تطال قياداتها السياسية والأمنية، وباعتبارها دولة مارقة، فإنها خارجة عن القانون الدولي، كونها تدرك أن استمرارها، وقف على قدرتها على استخدام ارهابها في مواجهة الأعداء والخصوم، عسكرياً وسياسياً، أنها لا تتعاطف حتى مع أصدقائها إذا لزم الأمر، ولا تكترث بإضافة خصومات لها حتى من بين أصدقائها ومؤيديها التقليديين.


سبق أن أشرنا إلى أن احتفال إسرائيل باستقالة شاباس مبكرة جداً، ذلك أن شاباس نفسه أشار إلى أن التحقيقات قد وصلت تقريباً إلى نهايتها، وان الأمر يتعلق الآن بصياغة التقرير النهائي بناءً على هذه التحقيقات، أي أن استقالته لن تؤثر على مضمون وتوصيات ونتائج التقرير النهائي، بل ربما على العكس من ذلك، إذ إن اللجنة رغم كافة الضغوط التي مورست عليها، ستبرهن بأن الأمر لا يتعلق باستقالة رئيسها، بل بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل على مشهد من العالم كله، وأي شاهد منصف، من المؤكد أنه سيدين ما أقدمت عليه القوات الإسرائيلية، وبتعليمات وأوامر من المستوى السياسي لديها، سيدين تلك الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة كما في الضفة الغربية.


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد