قد يكون من المبكر التكهن بنتائج الانتخابات الاسرائيلية قبل شهر و نصف من موعدها، حيث خلال هذه المده قد يحدث تطورات و احداث محلية او اقليمية من شأنها ان تؤثر بشكل مباشر على نتائج هذه الانتخابات بما يخدم هذا الطرف او ذاك او هذه الكتلة او تلك .


وفقا لاستطلاعات الرأي التي تجريها المراكز المتخصصه و المهنية و كذلك بعض القنوات التلفزيونية التي تستطلع اراء مشاهديها تعطي نتائج متقاربه و مؤشرات حول الخارطة السياسية و الحزبية القادمة في اسرائيل. النتائج حتى الان تعطي تقارب كبير بين القائمتين الكبيرتين، و هي كتلة الليكود بزعامة نتنياهو ، و كتلة العمل ليفني و الذي اطلقوا عليها اسم المعسكر الصهيوني. الاستطلاعات تعطي ما يقارب خمسة و عشرين مقعدا لكل منهما، هذا الرقم من المتوقع ان يتحرك قليلا هنا او هناك و لكنه لن يصل الى حد فتح فجوه كبيره تكون قادرة لوحدها على حسم النتيجة، حيث ما يحدث مع القوائم الاخرى لا يقل اهمية .


هناك من يعتقد ان فرصة نتنياهو ضعيفه في امكانية النجاح بتشكيل الحكومة القادمة في اسرائيل ، للعديد من الاعتبارات اهمها ان الولايات المتحدة لا ترغب ببقاءه و تريد تغييره ، و هناك مؤشرات على تدخلهم المباشر في هذه الانتخابات ، احد اشكال هذا التدخل هو الحملة الاعلامية ضده نتيجة اصراره على القاء خطاب امام الكونغرس دون رغبة او تنسيق مع البيت الابيض وفقا للاعراف و التقاليد المتبعه، و هناك مؤشر اخر ان هناك مؤسسات غير حكومية او جمعيات امريكية قريبة من الادارة الامريكية تدعم بشكل مباشر و غير مباشر قائمة هرتسوغ -ليفني، اي القائمة المنافسه لنتياهو، سبب اخر يعتمد عليه من يؤمن ان نتنياهو ليس له فرصه هو الرغبة الاسرائيلية في التغيير بعد فشل نتنياهو على اكثر من صعيد.


كل هذا قد يكون صحيح و لكن ليس هذا هو الذي سيحدد اذا ما كان نتنياهو سينجح في تشكيل الحكومة القادمة ام لا. الامريكان رغبتهم واضحه بانهم لا يريدون نتنياهو و لكن في النهاية ليست الارادة الامريكية هي التي ستقرر مصير نتنياهو، الذي سيقرر مصير نتنياهو هو الناخب الاسرائيلي صاحب الارادة الحصرية في تحديد من سيقوده في السنوات القادمة.


و الذي سيحدد هو موقف الاحزاب الصغيرة الاخرى التي قد تشكل تحالف سواء مع الليكود او المعسكر الصهيوني. على سبيل المثال حزب شاس و معه حزب يهدوت هتوراه ( الحريديم) الذي تعطيهم الاستطلاعات معا اربعة عشر مقعدا، و حزب هناك مستقبل بزعامة لبيد الذي تعطيه الاستطلاعات ثمانية مقاعد، وحزب اسراييل بيتنا بزعامة ليبرمان الذي تلقى ضربات قاسيه و تراجع كثيرا و لكن المقاعد الستة التي قد يحصل عليها وفقا للاستطلاعات ستكون حاسمه ايضا. الذي سيحدد هو ما اذا حزب ايلي يشاي الذي انشق عن شاس سيجتاز نسبة الحسم و بالتالي الحصول على اربعة مقاعد ام سيفشل و بالتالي يفقد اليمين هذا العدد المهم.


على اية حال هناك ثلاث سيناريوهات لتشكيل الحكومة القادمة في اسرائيل ، ستكون على النحو التالي:


اولا: حكومة بزعامة نتنياهو.


هذه الحكومة ستكون تركيبتها الاساسية من الليكود و البيت اليهودي الذي تعطيهم الاستطلاعات مجتمعين حوالي اربعين مقعدا، سينظم لهم شاس و يهودوت هتوراه حوالي اربعة عشر مقعدا ، ليصبح المجموع اربعه و خمسين مقعدا ، سينظم مع هذا التحالف بكل اريحيه حزب موشي كحلون الذي تعطيه الاستطلاعات حوالي ثمانية مقاعد ، ايضا ليبرمان لن يكون لديه مشكله في الانظمام الى حكومة اليمين التي تنسجم مع قناعاته اكثر من حكومة ذات طابع يساري. الاحزاب الصغيرة ، وخاصة التي تراجعت قوتها مثل لبيد و ليبرمان ، او الاحزاب الجديدة مثل حزب كحلون، الخيار الاخير لهم هو الجلوس على كرسي المعارضه، لان هذا الخيار يعني الانقراض و التلاشي في الانتخابات التي ستليها.


ثانيا: حكومة بقيادة هرتسوغ -ليفني


هذا الاحتمال ممكن في حالة حصول قائمة المعسكر الصهيوني بزعامة هذا الثنائي على اصوات اكثر من الاصوات التي تعطيها له الاستطلاعات، و كذلك حصول قائمة اليسار الاخرى ،وهي حزب ميرتس على مقاعد تساعد او تسهل المهمة على هرتسوغ، حيث الاستطلاعات تعطيهم بين خمسه و ستة مقاعد فقط. يمكن ان ينظم الى تحالف هرتسوغ قائمة هناك مستقبل بزعامة لبيد و ليبرمان و كحلون رغم ان الامر لن يكون سهلا عليه بحكم ان جذوره و ناخبية هم من اليمين . اما اذا نجح في ضم شاس و يهودوت هتوراه فستكون فرصته متساويه مع نتنياهو و لكم في هذه الحاله يجب عليه ان يتنازل عن لبيد ، لان لبيد و الحريديم من الصعب ان يجلسوا في حكومه واحده. اذن من الناحية النظرية يمكن ان تكون الحكومة مشكلة من المعسكر الصهيوني و ميرتس و ليبرمان و كحلون و الحريديم ، او لبيد و بدعم خارجي من الاحزاب العربية الذين سيدخلون لاول مره في قائمة واحده حيث تعطيهم الاستطلاعات من اثنى عشر الى ثلاثة عشر مقعدا بعد ان اجبرتهم رفع نسبة الحسم على هذا الخيار.


ثالثا: حكومة وحدة وطنية


الخيار الثالث هو ان لا يستطيع نتنياهو او هرتسوغ تشكيل حكومة لوحدهم، و ذلك بسبب التقارب في الاصوات بين مجموع الاصوات لكتلة اليمين و كتلة الوسط و اليسار ، و بالتالي سيجدوا انفسهم امام خيار هو تشكيل حكومة و حدة وطنية يكون اساسها التناوب في رئاسة الحكومة بين زعماء الكتلتين كما حصل في سنوات الثمانينات حيث تبادل العمل و الليكود رئاسة الحكومة لعدم استطاعة اي طرف من تشكيل حكومة لوحده. هذا الاحتمال ضعيف و لكنه ممكن.


في كل الاحوال ، يبقى الخيار الاول هو الخيار الاقرب حتى الان ان لم تحدث تطورات تقلب الطاوله، هذا الامر ممكن طبعا . و لكن قد يكون من اهم الاسباب في عدم تغيير نتنياهو و الليكود رغم الفشل السياسي و الاقتصادي و رغم موقف الادارة الامريكية المعادي لنتياهو و رغبتهم شبه المعلنه لتغييره الا انه لا توجد مؤشرات على ان الشارع الاسرائيلي يملك نفس الرغبة. احد الاسباب لذلك ان المواطن الاسرائيلي يعرف كل سلبيات نتنياهو و لكنه لا يرى بديل مناسب مقنع بدل منه. حتى الان هرتسوغ او ليفني او غيرهم لا يشكلون بديل كافي من وجهة نظر الجمهور الاسرائيلي.


اكثر شيء يعجب الجمهور الاسرائيلي في نتنياهو انه لا يريد ان يذهب بعيدا في حلول سياسية مع الفلسطينيين. و ذلك لان الجمهور الاسرائيلي لا يشعر ان لديه مشكله و جوديه مع الفلسطينيين. يستطيع ان يتعايش مع بعض الازعاجات في الضفه و بعض الشوشرات في غزة ، و اقنعه اليمين الاسرائيلي و بمساعدة من بعض الفلسطينيين ان اي انسحاب من اي ارض فلسطينية قوى متطرفه ستسيطر على الوضع و تطلق الصواريخ على مطار اللد. الاسرائيليون سعداء على استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، غير مهتمين كثيرا بالمعارك السياسيه و الدبلوماسيه في الامم المتحدة طالما لا تمس كل واحد منهم بشكل شيخصي.


على اية حال، اذا ما تحقق الخيار الاول، وهو تشكيل حكومة يمين بزعامة نتنياهو اساسها الليكود و المستوطنين ستنعكس بشكل سلبي على الوضع الفلسطيني. حيث برنامج هذه الحكومة سيكون تعزيز امرين، وهما تعزيز الاستيطان و تعزيز الانقسام و ابقاء الوضع على ما هو عليه و على المشتكي ان يذهب مرة اخرى للامم المتحدة. هذا لا يعني ان الخيارين الاخيرين سيكونان افضل بالنسبة للفلسطينيين، لان الاساس ليس طبيعة الحكومة الاسرائيلية و تركيبتها و برنامجها، بل الاساس هو السلوك الفلسطيني و قدرته على اعادة توحيد صفوفه و ترتيب اوراقه و انهاء انقسامه.


Dr.sufianz@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد