من مدينة بنغازي انطلقت شرارة الثورة على القذافي, ومنها تنطلق شرارة ثورة تصحيحية أعلنها اللواء خليفة حفتر على مليشيات اسلامية ليبيا, فيما يبدو أن البلاد ذاهبة إلى واحدة من خيارات حتمية: إما حرب أهلية أو تقسيم البلاد إلى دويلات متصارعة أو تدخل عسكري أو سياسي أجنبي قصد إجراء الانتخابات وضمان تدفق النفط إلى العالم الخارجي.

نجاح حفتر الذي يحظى بدعم عربي وصمت دولي يجنب البلاد شبح التقسيم والتدخل الخارجي, وفشله يعني إضافة منطقة أخرى فاشلة تحكمها جماعات سلامية متناحرة أسوة بافغانستان والصومال وسوريا والعراق... إذا كان من غير الحكمة استباق الامور في اتجاه ما ستؤول إليه البلاد, إلا أن الشعار الذي رفعه اللواء حفتر "كرامة ليبيا" أغري المواطنين برفض استبدال دكتاتورية القذافي بدكتاتورية مليشيات اسلامية تسلبهم حق الحياة في الأمن والاستقرار. فكان الشعار بمثابة كلمة السر الذي استقطب قبائل وقوى وطنية وعسكرية مختلفة رسمية وحزبية .مما دفع بالجنرال لاعتبار ذلك بمثابة تفويض من الشعب لتطهير البلاد من عبث المليشيات الاسلامية. كانت الدولة موحدة في عهد الدكتاتور, لكنها انشطرت بعده الى دول متنازعة تحكمها ميليشيات مسلحة لا يجمع بينها سوى نهب أكبر قدر من خيراتها والسيطرة على مقاليد الحكم .

 ليس هذا ما يحدث فقط بل إن الفارين من جحيم مقيم يروون بشاعات تقشعر لها الأبدان, لا تقل قسوة وبشاعة ,عن تلك التي نشرتها محطات تلفزة ووكالات أنباء أجنبية, فعلتها مليشيات في سوريا تحمل نفس المسميات .لتعيد إلى الأذهان ما فعلته قوى إسلامية أيضا في عصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وراح ضحيتها الحسين بن علي بن أبي طالب ذبحا ,قبل أن تدوس جسده الطاهر حوافر الخيل وتقطع رأسه الشريفة وتوضع على أسنة الرماح, "دفاعا" عن الإسلام !.

المدينة الواحدة صارت دولا. في كل شارع وفي كل حي دولة. أنواع مختلفة من الأسلحة مصوبة إلى كل الاتجاهات و مسلحوها يعربدون ويفرضون "الخاوات" ويجمعون الضرائب.

خطف وقتل وتعذيب من يعارض أو تقع عليه شبهة المعارضة دون أن يحق لأحد من المواطنين أن يسأل لماذا ؟ وكيف ؟ ولا أحد يعرف ثوار هم أم إرهابيون؟ وأي دين يبيح ما ارتكبوه ؟!! ضاعت هيبة الدولة وبات يتحكم في إدارتها مسلحون يعطون لأنفسهم الحق في اختطاف دبلوماسيين وقتل رعايا عربا بالجملة والمفرق .الحكومة والبرلمان لا يجدان مكانا آمنا للاجتماع , يدعيان شرعية لا وجود لها على الارض, ولاؤها للمليشيات التي عينتها أو فرضتها , إذا اقترب أحد منهما وجد من يتهمه بالخروج عن القانون. أي قانون ؟ لا أحد يستطيع أن يحدد !.

الدول العربية عاجزة عن حماية الشعب الليبي ,أو تحقيق مصالحة بين مكوناته , بل هي متوجسة من انتقال التهديد الليبي إليها (شرقا وغربا ) , في حين هناك من يرى أن الوضع يستدعي تدخلا خارجيا , لضبط البلاد المنفلتة من عقالها, خاصة أنها مازالت تحت القرار الدولي الذي صدر بموجب " الفصل السابع "من ميثاق الامم المتحدة .

 بعد خلع القذافي ومقتله لم يجرؤ أحد على التحدث عن فضيلة واحدة. لكن أحدا لم يتحدث عن فضيلة واحدة أيضا عن حكم مليشيات ما زالت تحكم ليبيا وترفع راية الإسلام. لقد قدم هؤلاء صورة عن الإسلام لا يقبلها المسلمون أنفسهم. ذلك لأنهم أصبحوا بأفعالهم _ مع إخوانهم في سوريا _ نموذجا لوحشية, ربما يباهي الاحتلال الإسرائيلي أنه لم يرتكب مثلها , أو على الأقل لم يفاخر بارتكابها أمام الإعلام , بل ارتكب أفظع منها باحتلال بإطلاق الرصاص على الفلسطينيات حتى بعد اعتقالهن والتمثيل بجثثهن (دلال المغربي نموذجا), لكنه يحاول تجميل أو تبرير جرائمه أمام الإعلام بوقاحة إذا ما اكتشفت.

 الوضع مازال يبعث على القلق, والبلاد مرشحة لمزيد من أعمال الفوضى المدمرة. وربما, لو كان الليبيون يعرفون أن مصيرهم سيؤول إلى ما آل إليه الوضع الحالي لتمنوا بقاء الدكتاتور حيا وفي سدة الحكم, فقد يكون أكثر رحمة من حكم من خطفوا "الثورة" والسلطة وعاثوا فسادا ونهبا وقتلا في البلاد والعباد. أما وقد بدأت حركة حفتر فلا بد من التغيير واستكمال أهداف الثورة، لبناء ليبيا الجديدة والجديرة بحياة كريمة للإنسان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد