ترتبط التفجيرات الإرهابية الأخيرة في شمال سيناء بعناصر عديدة، تجعل منها إضافة إلى البعد الأمني، أكثر التصاقاً بالأبعاد السياسية السائدة في منطقتنا العربية، فهذه التفجيرات ترسل رسالة واضحة إلى الشعب المصري الذي فجر ثورتي 25 يناير و30 يونيو، تفيد بأن هاتين الثورتين قد فشلتا في الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، وان لا مجال هناك لهذا الانتقال، باعتبار أن الديمقراطية ليست من مفاهيم ومقاصد الإسلام السياسي بشتى صوره وإيقاعاته الأيديولوجية، وان الانتقال من دكتاتورية مبارك يتوقف على أن يشكل خطوة لا بد منها لدكتاتورية ذات طبيعة "ربانية" يستلهم منها الإسلام السياسي رؤيته الدموية بتفسيراته الخاصة للدين الإسلامي، في مواجهة مع كل أطياف الشعب، بما في ذلك المؤمنون منهم وهم غالبية الشعب المصري الذي لا يرى في الإسلام سوى دين المحبة والتسامح وتقبل الآخر، وبدون هذا الانتقال، فإن الشعب المصري سيدفع من دمه إلى ما لا نهاية، عدم الانتقال إلى هذا المفهوم الدموي لدى الإرهاب باسم الدين.


كما يأتي توقيت هذه التفجيرات الإرهابية، في موازاة ومحاكاة، مع طغيان الإرهاب الدموي الذي شكله "داعش" و"النصرة"، وتحديداً في العراق وسورية. هذا الطغيان الذي امتد إلى ليبيا ومصر، ارهاب "بيت المقدس" عربون ولاء ووفاء لنهج هذه القوى الدموي في التعامل مع شعوب المنطقة، والذي لا يطال فقط الطوائف الإسلامية الذي تختلف معها هذه القوى، بل تطال بدرجة أساسية، الطائفة السنية ذاتها، وهي الطائفة التي تخسر، ولا تزال، الآلاف من الضحايا على يد الإجرام الإرهابي، كما أن هذه الطائفة، التي تدعي هذه القوى الإرهابية أنها تدافع عن منهجها ورؤيتها، هي التي تواجه الإرهاب باسم السنة وباسم الدين، هي الضحية وهي التي تقف مع غيرها مع الطوائف والمذاهب والوطنيين العرب وغير العرب في وجه آلة الإرهاب هذه، وما جرى مؤخراً من إرهاب في شمال سيناء، يشير أيضاً إلى أن العدو الإسرائيلي الذي تبتعد مستوطناته وثكناته العسكرية أمتاراً من الحدود، هو المستفيد الأساسي من هذا الإرهاب، وباعتبار أن العدو الإسرائيلي، هو الإرهاب الأعظم في هذه المنطقة، فإنه يبارك لهذه القوى، قدرتها على حرف الأنظار عن الإرهاب الأساسي والجوهري الذي يشكله هذا العدو، ذلك أن إضعاف الجيش المصري، هذا الجيش الذي كان ويجب ان يظل عنوان المواجهة الأساسية العربية مع إسرائيل، هو خدمة "مجانية"، بعدما نجح الإرهاب الإسرائيلي في إشعار نار الفتنة التي أدت إلى إضعاف الجيشين، السوري والعراقي، وبالتالي فإن إشغال الجيش المصري العظيم بمواجهة الإرهاب في الداخل المصري، هو هدف تلتقي عنده القوى الإرهابية مع العدو الإسرائيلي.


وإضافة إلى أن هذه التفجيرات الارهابية، تأتي في ظل ثورة 25 يناير، فإنها تتزامن مع الاستعدادات لإجراء الانتخابات البرلمانية في مصر، هذه الانتخابات التي تشكل البند الأخير في خارطة الطريق التي أعلنتها ثورة 30 يونيو، ان عدم الاستقرار واستمرار المواجهة الرسمية والشعبية مع الارهاب، من شأنه ـ ربما ـ أن يعيق بشكل واضح، العملية الانتخابية، فبعد وضع دستور عصري لجمهورية مصر العربية، وبعد الانتخابات الرئاسية، لم يتبق سوى هذا البعد في خارطة طريق ثورة 30 يونيو، هذه القوى الإرهابية، لا تريد لهذه الخارطة أن تتحقق بعدما فشلت في إحباط البندين السابقين، وضع الدستور وانتخاب الرئيس، وليس أمام هذه القوى سوى إشاعة أجواء الإرهاب وعدم الاستقرار وتهديد حياة المواطنين، بهدف إفشال تحقيق الانتخابات البرلمانية.


في هذا السياق، لا بد من إشارة إلى الموقف الإيراني ـ الاستثنائي، إزاء موجة الإرهاب في سيناء، إذ صدر عن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء حسن فيروز ابادي، تصريح لا يمكن وصفه إلاّ "بالغريب" بعض الشيء، إذ أشار هذا المسؤول الإيراني عبر وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" إلى أن الذين يهاجمون قوات الجيش المصري ويقتلون العسكريين يقفون من دون شك إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب، والقوات المصرية المستقرة في صحراء سيناء إنما تقوم بواجبها لدفع العدوان الصهيوني عن الأراضي الإسلامية، خاصة في شبه جزيرة سيناء، وقد يعتبر البعض هذا التصريح له أبعاد مذهبية، لكننا نرى فيه أكثر من ذلك، إذ ان إضعاف الجبهات المحيطة بإسرائيل، من خلال إشغال الجيوش بحروب داخلية، هو هدف إسرائيلي، فطنت له إيران، لعل وعسى يفطن إليه الآخرون، وإيران التي تقف على بعد خطوات من الحدود مع سورية والعراق، تدرك أن الإرهاب الذي يمارس سطوته الدموية، يطال من قدرة شعوب المنطقة على دعم قضية الشعب الفلسطيني التي باتت على ضوء هذا الإرهاب، مسألة ثانوية، وفي هذا السياق، يجب إعادة الهرم إلى قاعدته بدلاً من وقوفه على رأسه. الموقف الإيراني الذي نأخذ عليه العديد من الملاحظات الأساسية بشأن العديد من القضايا، يجب أن يشار إليه بوصفه موقفاً يأخذ بالاعتبار أولوية القضية الفلسطينية، وأولوية الحفاظ على الجيوش العربية لتؤدي دورها المناط بها في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي.


إن الجيش المصري العظيم، له من كل الوطنيين العرب، وكل القوى المحبة للسلام والحرية والاستقلال، والتي تقف مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، كل الحب والاعتزاز والتقدير!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد