ترحيب بروتوكولي قلق أبدته إسرائيل إثر فوز اليسار اليوناني في الانتخابات التشريعية، ترحيب يخفي من خلفه شعورا بالامتعاض والخوف لهما كل ما يبررهما إزاء هذا الزلزال الذي أعاد اليسار للحكم في دولة كانت تعتبر في السنوات الأخيرة على علاقة طيبة مع الدولة العبرية التي استغلتها ـ هذه الأخيرة ـ في الابتزاز السياسي إثر الخلافات التي جرت بين إسرائيل وتركيا.


ظلت اليونان، شعباً وحكومة، صديقة للشعب الفلسطيني ومؤيدة لنضاله الوطني، إلاّ أن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ ان الأمور قد تغيرت نسبياً في السنوات الخمس الأخيرة وقاد التقارب اليوناني مع إسرائيل، رئيس الوزراء جورج بابندريو، بذريعة أنه يتوجب على اليونان، أن تلعب دوراً مهماً في التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتطلب هذا الدور أن تكون وسيطاً محايداً، لكن الخبراء في التحولات السياسية، أعادوا هذا التقارب اليوناني ـ الإسرائيلي، إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي عانت منها اليونان، والحاجة إلى دعم اللوبي الصهيوني في المحافل الاقتصادية والمالية، إضافة إلى محاولة لاقتسام آبار الغاز المكتشفة حديثاً في البحر المتوسط، والإشكالات التي تمخضت عن هذه الاكتشافات بين عدة دول : تركيا واليونان ومصر وإسرائيل وقبرص ولبنان. أثينا، حاولت إيجاد مناخ للتعاون مع إسرائيل في مواجهة الأطراف الأخرى، باستثناء قبرص، خاصة وأن الحديث قد بدأ حول مشروع استراتيجي لإقامة خط لتصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر اليونان.


إلاّ أن معظم هذه الرهانات الإسرائيلية ـ اليونانية اصطدمت بالواقع، ورغم التقارب اليوناني، فإن مصالح إسرائيل ظلت تتعامل مع تقاربها مع اليونان، بابتزاز لا يرقى إلى المصالح المشتركة، وظلت الدولة العبرية أقل التزاماً بتعاونها مع اليونان في المجالات الأمنية والاستخبارية والاقتصادية، خاصة وأن أثينا باتت على قناعة أن هذه العلاقات «استخدامية» وليست استراتيجية، تستخدمها إسرائيل كلما جرت مناوشات بين أنقرة وتل أبيب، ذلك أن إسرائيل تعول أساساً على علاقة متينة مع تركيا، لما للدور التركي من أهمية على صعيد خارطة المنطقة.


اهتزاز العلاقات اليونانية ـ الإسرائيلية، ظل في اطار التردد في المواقف ومن دون حسم واضح، إلى أن جاءت زيارة الرئيس اليوناني كارلوس بابليوس إلى القاهرة في آب 2012، لتلقي المزيد من الشكوك حول تطور العلاقات بين أثينا وتل أبيب، فقد فاجأ الرئيس اليوناني الجميع عندما خرج عن النص، ليقول في القاهرة، إسرائيل تسطو على منابع الغاز لكل من مصر وقبرص، وان زيارته للعاصمة المصرية تهدف فيما تهدف إلى مواجهة هذا السطو الإسرائيلي، هاجم الإسرائيليون، ساسة وإعلاماً الرئيس اليوناني، فيما أعادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، سرد تاريخ علاقات اليونان الطيبة والمؤيدة للشعب الفلسطيني، ونبشت في تاريخ الفنان اليوناني العالمي، واضع موسيقى فيلم «زوربا» ميكيس ثيودراكس، الذي وضع ألحاناً وتوزيعاً للنشيد الوطني الفلسطيني وأهداه إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، الإعلام الإسرائيلي أشار إلى أنه من الصعب التأثير على الشعب اليوناني لتغيير المعادلة، وقد قدمت إسرائيل ـ حسب ادعاء وسائط الإعلام الإسرائيلية ـ كل ما أمكن لإقامة علاقات استراتيجية مع اليونان، خاصة في ميدان الأمن وتبادل الخبرات العسكرية بتعاون ثنائي أو من خلال حلف الناتو، إلاّ أن هذا الرهان، يجب أن يتوقف.


كان ذلك في عهد حكومة يمينية في أثينا، فكيف ستكون حال العلاقات اليونانية ـ الإسرائيلية في عهد حكومة يسارية مؤيدة علناً لقضية الشعب الفلسطيني، وفي ظل رئيس حكومة سبق وأن زار قطاع غزة في ظل الحصار الإسرائيلي في اطار أسطول الحرية عام 2009، والذي قاد مظاهرات شعبية واسعة لدعم الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، متهماً إسرائيل بقتل أطفال فلسطين وارتكابها لجرائم حرب أثناء الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، يبدو الأمر يتكرر بعد انتصار اليسار في هولندا، وإسرائيل بدأت تخسر أكثر مع وصول الزلزال إلى أثينا.


هذا الزلزال، لم تسلط عليه الأضواء إلاّ بتأثيراته المحتملة على الاتحاد الأوروبي وإمكانية انتقال عدواه وتوابعه إلى كل من إسبانيا والبرتغال، وإمكانية خروج اليونان من «اليورو» على خلفية النزاع حول الديون الأوروبية واشتراطاتها وفوائدها المالية، إلاّ أننا نعتقد أن البعد الإقليمي لهذا الزلزال، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتوجهات القيادة الفلسطينية على الصعيد الدولي، في ظل تزايد الحصار السياسي، والاقتصادي نسبياً، على دولة العدوان الإسرائيلي، يجب الا تغطيها تأثيرات هذا الزلزال على مستقبل أوروبا.


إن الفلسطينيين عموماً، واليسار على الأخص، الذين رحبوا بهذا الزلزال، عليهم عدم التوقف عند الاحتفال، بل المزيد من الأنشطة الداعمة لعلاقات أكثر رسوخاً مع الدولة الصديقة، وعلى العرب، وهم أكثر تخوفاً ربما ـ أن يتجاهلوا الأيديولوجيا ـ ولو مؤقتاً ـ لنصرة هذا الصديق بإمكانياتهم المالية والاستثمارية في اطار لغة المصالح.


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد