يجمع الفلسطينيون وكثير من المراقبين على أن تشكيل القائمة الموحدة التي شكلتها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة الإسلامية الجنوبية والتجمع والعربية للتغيير هو تطور نوعي مهم في توحيد صفوف هذه القوى للفوز في الانتخابات البرلمانية القادة في إسرائيل والتي ستجري في شهر آذار القادم. فهي مهمة ليس فقط في منع سقوط بعض القوى وعدم قدرتها على تجاوز نسبة الحسم حيث ظهر من استطلاعات الرأي أن الجبهة هي الكتلة الوحيدة التي تستطيع الفوز والتمثيل في الكنيست ، بل كذلك لأنها تشكل قوة مهمة في وجه صعود اليمين العنصري في البرلمان والحلبة السياسية الإسرائيلية عموماً.
لقد سقطت الحكومة الإسرائيلية الحالية وتقرر تقديم موعد الانتخابات بسبب قانون الدولة اليهودية الذي مرره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأغلبية 14 وزيراً مقابل معارضة 6 وزراء في اجتماع الحكومة في 23 تشرين الثاني الماضي. وبعد معارضة وزراء حزب ( الحركة) بزعامة تسيبي ليفني و (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد واعتزام الحزبين التصويت ضد مشروع القانون في الكنيست قام نتنياهو بإقالة الوزيرين ليفني ولبيد والذهاب إلى انتخابات مبكرة في شهر آذار بعد حوالي عامين على تشكيل الحكومة. وهذا القانون هو من القوانين العنصرية التي لا تلحظ وجود المواطنين غير اليهود في إسرائيل ولا تمنح المواطنين العرب أية حقوق، ولهذا السبب فهو يشكل خطورة بالغة على مستقبلهم وعلى حقوقهم الأساسية التي لا يحصلون عليها حتى مع وجود نصوص تتحدث عن المساواة في إسرائيل.


لا شك أن ولادة القائمة الموحدة كانت عسيرة وخاصة على ضوء التنافس بين القوى على الأماكن المضمونة في القائمة وتجلي المصالح الفردية والحزبية، ولكن هذا لم يمنع التوصل إلى اتفاق تام وتعالى الجميع على الأنا وظهرت القائمة إلى النور في سابقة هي الأولى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية والعلاقة بين القوى المختلفة المتنافسة على أصوات المواطنين العرب، فقد ضمت القائمة عرباً ويهوداً وهذا ليس مفهوماً ضمناً لدى الحركة الإسلامية على سبيل المثال، وجمعت بين الشيوعي والمتدين والقومي. ويتوقع أن تحصل القائمة على 12-14 مقعداً في الكنيست خاصة إذا زادت نسبة المصوتين من المواطنين الفلسطينيين، وهناك تقديرات تشير إلى احتمال ارتفاع نسبة المشاركة بفضل وجود القائمة الموحدة التي كانت مطلباً لحوالي 80 بالمائة من المواطنين الفلسطينيين حسب استطلاعات رأي عديدة أجريت بينهم. وهكذا ستكون هذه كتلة مهمة مانعة ومؤثرة في البرلمان على سن القوانين وعلى تركيب الحكومات وعلى مستقبل العملية السياسية.


استطلاع الرأي الجديد الذي نشرته القناة الثانية الإسرائيلية يوم أمس يظهر حصول القائمة الموحدة على 12 مقعداً لتشكل الكتلة الرابعة بعد المعسكر الصهيوني (ائتلاف العمل والحركة) الذي حصل على 26 مقعداً ، و» الليكود» 23 مقعداً و ( البيت اليهودي) 15 مقعداً ويلي القائمة (هناك مستقبل)9 مقاعد وقائمة موشي كحلون 8 مقاعد و «شاس» و» إسرائيل بيتنا» و» يهدوت هاتوراة» 7 مقاعد لكل منها، وحركة «ميرتس» 6 مقاعد. وعلى ضوء هذه النتيجة يمكن تشكيل حكومة جديدة بدون « الليكود» و «البيت اليهودي» مع خيارات متنوعة لائتلاف (العمل- الحركة).


ربما يكون تشكيل القائمة الموحدة هو نقطة الضوء الوحيدة في المشهد السياسي الفلسطيني في إطار تعثر محاولات إنهاء الانقسام وتفاقم الخلافات الداخلية وأزمة قطاع غزة والتراشق المخجل والمعيب على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي والفوضى في كل شيء داخلياً وخارجياً.
تصوروا لو أن تشكيل القائمة الموحدة الذي يعبر عن نضج وتطور مهم في العمل السياسي والحزبي للقوى الفلسطينية والمشتركة في إسرائيل، حتى لو أتى بعضه بدافع صراع البقاء، ترافق مع حالة من الوحدة الوطنية في المناطق المحتلة في الضفة والقطاع كيف يمكن أن يكون حالنا؟ ألسنا نصارع مشروعاً استيطانياً كولونيالياً خطيراً على مستقبلنا. ألسنا في إطار صراع البقاء ونناضل من أجل وجودنا وحقوقنا الأساسية، السنا نعاني من حصار مالي يهدد قدرة السلطة على الاستمرار؟ ألسنا نعيش في أوضاع كارثية على كل المستويات؟


إذا كان ما نواجه لا يدفعنا للتفكير على غرار أشقائنا في إسرائيل الذين توحدوا بدافع الحفاظ على الذات والمصالح الوطنية، فلا أمل فينا، ويجب ألا نخدع أنفسنا ونقول أننا جاهزون لحكم أنفسنا ولدولة مستقلة ولنظام متحضر ونحن لا يزال بعضنا يفضل مصلحة فئوية على مصلحة وطنية مصيرية ويستخدم العنف والتفجيرات وفزاعة «داعش» والفوضى المدمرة التي تتحرر بقرار سياسي لفرض موقف على الآخرين، وبعضنا لا يهتم بمصير مئات الآلاف من المواطنين المكلومين والمعذبين بدون ذنب سوى أن قدرهم جعلهم سكان قطاع غزة. ونتصارع ونحارب بعضنا في لقمة العيش. وبعضنا لا يحرك ساكناً وكأن الحديث عن بلد آخر وقضية أخرى.


صحيح أنه لا يوجد إطلاقاً أي مبرر لإسرائيل لاستمرار احتلالها للمناطق الفلسطينية منذ العام 1967، وصحيح أن هناك مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية على المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته المختلفة للعمل من أجل إنهاء الاحتلال ووضع حد للغبن والظلم التاريخي الذي لحق بفلسطين إما بسبب قرارات دولية أو بتقاعس دولي وكيل بمكيالين، ولكن صحيح أيضاً أن أداءنا وإدارتنا لأوضاعنا الداخلية ولنضالنا ضد الاحتلال وطريقة تعاملنا مع مختلف الملفات المطروحة على أجندتنا الوطنية كلها عوامل حاسمة ومؤثرة في تقصير أو إطالة أمد الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد