يمكن القول إن الكاتب أنطوان شلحت تمكن ببراعة سياسية من مطابقة الراهن سياسياً والموغل في التطرف مع ما يفكر به رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وأن كل هذا الفشل والإفشال للمفاوضات بين الطرفين ليس مرده أن نتنياهو مكبل بحكومة يمينية منعته من التقدم بل لأن نتنياهو يعتبر أن محاولة التسوية نفسها هي مأزق إسرائيل الحالي وأن اليسار الإسرائيلي الذي وقع اتفاق أوسلو أوقع إسرائيل في هذا الكمين، وأن السماء ساقته لإنقاذ الدولة منه كما جاء في افتتاحية هآرتس المنقولة 3/3/2014 أن نتنياهو يضع نصب عينيه هدفاً واحداً هو إنقاذ نفسه ودولة إسرائيل من المفاوضات.
مهمة التفتيش هذه أخذها الصديق أنطوان شلحت على عاتقه نشر نتائجه في كتاب أصدره الشهر الماضي بعنوان «بنيامين نتنياهو عقيدة اللا حل» إذ يشكل هذا الكتاب لائحة اتهام مهمة تصلح لمحاكمة نتنياهو سياسياً كأن أنطوان قرر أن ي فتح تحقيقاً جنائياً سياسياً على فترة حكم نتنياهو مستدعياً كل شهود المرحلة من أكاديميي إسرائيل ومثقفيها وكتابها وسياسييها كلهم، فأعاد نشر اعترافاتهم ليصل إلى نتيجة أوردها على لسان أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان معقل اليمين الإسرائيلي فينقل عنه: «تبدو أفضل مقاربة بالنسبة لإسرائيل عقب فشل المفاوضات هي عدم فعل شيء والاكتفاء بإدارة الصراع واعتماد سياسة انتظر وراقب لا الإقدام على أي خطوات».
ويتفق كما يسرد شلحت ذلك مع أفيعاد كلاينبرغ أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب الذي يؤكد «أن مقاربة المراوحة في المكان دون فعل ولا قرار ودون تحمل مسؤولية تحولت لدى نتنياهو إلى أيدولوجيا تكريس الوضع القائم» هذه الشهادات للأكاديميين يضعها للرد على شهادة بجيعام فاتيس المحاضر في قسم التاريخ في جامعة حيفا الذي قال «إن هناك نتنياهو واحداً ووحيداً .. هدفه واحد لا يتغير هو البقاء في السلطة، وأشار فايتس إلى «أنه أول رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل يعتبر البقاء في السلطة هدفاً سياسياً وليس لديه أي هدف آخر يتخطى البقاء في كرسي الحكم».
لكن أنطوان شلحت يقول عن كتابه «تهدف هذه الورقة إلى تبيان أنه حتى وإن اعتبر نتنياهو البقاء في السلطة هدفاً لكنه ليس هدفه الوحيد على الإطلاق، وتبين ذلك من خلال فكره السياسي، كما تجلى في كتابه مكان بين الأمم ومنشأه الأيدلوجي وتأثير والده عليه وسط تأكيدات تتعلق بعبودية نتنياهو المطلقة لوالده المتطرف في آرائه اليمينية، وأهم خطاباته خصوصاً بار إيلان الأول والثاني الذي اعتبر أنه انقلاب على الأول، لكن شلحت يثبت دون شك أنه تأكيد للأول وكذلك خطاب 29/6/2014 .
استدعى الكاتب كل الشهود دفعة لينشر اعترافاتهم كواحدة من أهم الشهادات من سياسيين كوزير الدفاع يعالون ومستشار الأمن القومي السابق يعقوب عميدور ولسيرمان وليفني وإسحق هرتسوغ وكل الكتاب، بدءاً من ناحوم برينياع كبير المعلقين في صحيفة يديعوت ويوئيل ماركوس كبير المعلقين في هآرتس وألوف بين رئيس تحرير هآرتس وتسيفي برئيل وعكيفا الدار وبن درور يميني وشالوم يروشالمي وباراك رابيد، كأنه يريد أن يقول أنه لم يحظ في تاريخ إسرائيل إجماع بين الكتاب على شخصية رئيس وزراء مثل نتنياهو بأن هذا الرجل هو «مستوطن متطرف» وقلما تجد في الصحافة الإسرائيلية من يدافع عن سياسة أو حتى يتهم نتنياهو بأنه رجل تسوية أو سلام.
فنتنياهو كما يقول مؤلف الكتاب يلعب على عامل الزمن، فهو يدرك أنه كلما نجح في شراء زمن من الفلسطينيين والأميركيين والعالم نجح في إلحاق ضرر أكبر بإمكانية التوصل لاتفاق واقترب من واقع يستوطن فيه يهود جميع المناطق المحتلة من البحر وحتى نهر الأردن، وأن ما أورده من شهادات كما يكتب ترى أن سعي نتنياهو نحو هذا الهدف هو ما جعله يتمسك بسياسة عدم الفعل بديلا عن سياسة الفعل، ولا سيما فيما يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خدمةً لغاية تكريس الوضع القائم الذي يتسم أكثر من أي شيء آخر بحالة اللاحرب واللاسلم وبنهج إدارة الصراع لا حله.
ما الذي جعل اليمين المتطرف يتمسك بالحكومة ولا يغضب حتى بعد أن أوقف نتنياهو الاستيطان لعشرة أشهر؟ ربما يجيب موشيه يعالون في مقابلة مع شلومو تسيرنا قبل أشهر وردت كشهادة ولكنها هامة جداً، لأن يعالون لم يستطع أن يضع بصمة مستقلة في السياسة الإسرائيلية، وبدا أكثر ارتباطا بنتنياهو وملحقا بسياساته وتابعا لها، ففي رده على سؤال هل لا زال محمود عباس شريكا للسلام ؟ أجاب يعالون «إنه لم يقل أنه يعترف بنا كدولة قومية للشعب اليهودي .. لم يقل أبداً أنه تخلى عن حقوق اللاجئين فإلى أين سنصل معه؟ إنه شريك للنقاش ، شريك لإدارة الصراع، أنا لا أتطلع إلى حل وانما إلى طريقة لإدارة الصراع والابقاء على علاقات بطريقة تخدم مصالحنا، علينا أن نتحرر من فكرة أن كل شيء يتلخص بخيار واحد اسمه دولة فلسطينية» ..!
لكن شهادة نحميا شترسلر في هآرتس تشكل توصيفا دقيقا لسياسة نتنياهو، إذ يرى شترسلر أن نتنياهو لا يحلم لحظة واحدة بتوقيع اتفاق يفرض العودة إلى حدود 67 مع تعديلات بسيطة وإخلاء مستوطنين بل هدفه البقاء في المناطق المحتلة للأبد، وما عدا ذلك لا يعدو كونه تكتيكياً مثل خطاب بار إيلان وتجميد المستوطنات وأحياناً يطلق أسرى وأحياناً يعود للمفاوضات وأحياناً يفجرها، فالبنسبة له كل شيء مشروع من أجل كسب الوقت لأن الوقت يعمل لصالحنا، فكل يوم يمر معناه بيت جديد وشجرة جديدة وطريق جديد وعائلة جديدة، وكلما زاد عدد المستوطنين يصبح إخلاؤهم أصعب فأصعب ..».
ثم يذهب أنطوان كأنه يقوم بالتحقيق مع والد نتنياهو أستاذ التاريخ المتطرف الذي سافر للولايات المتحدة حين كان اليسار يحكم إسرائيل، وهذه أثرت على فكر نتنياهو الابن ويجمع بقايا اعترافات الأب الذي يرى أن هذه الأرض لا تتسع لدولتين، وشهادة سقطة الأب التي وردت في مقابلة القناة الثانية واعترافات ابنه له، حيث كان الأب المتطرف مطمئناً جداً لسلوك ابنه السياسي وللوعود التي تلقاها من الأخير والتربية اليمينية الخالصة التي رضعها الابن.
كان الصديق أنطوان قد حدثني عن انتهائه من إنجاز كتابه هذا قبل خمسة أشهر عندما التقينا خارج الوطن، وبرغم معرفتي بقدراته وكفاءته السياسية ككاتب مهم وكناقد أدبي أولاً قادر على إعطاء توصيفات ذكية وإيحائية للكتابة السياسية، إلا أنني لم أتوقع أن يكون الكتاب بهذه القوة من التماسك والتسلسل والقدرة على الوصول إلى هذه النتيجة الدامغة بأننا أمام وريث ليس فقط بيولوجيا لليمين المتطرف، بل وريث فكري وعقائدي وبشهادات أهلها، ولا يمكن للمدافعين عن نتنياهو أن يردوا بعكس ذلك، تلك كانت خلاصة الجهد الذي يحمله كتاب «عقيدة اللاحل « والذي صدر عن مؤسسة مدار للدراسات الإسرائيلية.
إنه كتاب هام يستحق الترجمة وأن يوضع على مكاتب زعماء العالم الذين لديهم بقايا أوهام من أنه يمكن التوصل إلى حل مع نتنياهو، فقد كان ذلك غوصا في بحر أفكار نتنياهو الراسخة منذ وضعها رئيف جابوتنسكي الذي اختار نتنياهو الأب سكرتيرا وصديقاً له، وإذا كان الأمر كذلك فهنا السؤال للفلسطيني: كيف يمكن كسر قاعدة الاستاتيكو التي يريدها نتنياهو واليمين ولا يعطي مزيدا من الزمن؟ سؤال كبير يترتب عليه برنامج عمل كبير ..!
Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد