عاصفة من التأكيدات والنفي اثارته الانباء التي تحدثت عن لقاء النائب محمد دحلان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ان هذا اللقاء لم يكن الاول ولن يكون الاخير الا انه اثار حفيظة الرئاسة الفلسطينية وارتياح في اوساط الشارع الغزي بعد ما اعلنه النائب دحلان عن جملة من التسهيلات المنوي تنفيذها في القريب المنظور تجاه قطاع غزة .

من غير الخافي على احد خصوصا المطلعين من الكتاب والمراقبين والمحللين السياسيين عمق العلاقة بين النائب دحلان وقيادة الثورة المصرية وما لعبه دحلان من دور هام واستراتيجي في المنطقة بعد ما عرف بالربيع العربي والجميع يعلم تشعب علاقات دحلان في المحور العربي الجديد المتمثل في السعودية الامارات مصر وتأثيره على كافة مجريات الاحداث في المنطقة الواقعة تحث نفوذ هذا المحور والاخذة في التوسع قيمة وتأثيرا في الشرق الاوسط نتيجة لقدرة هذا المحور على التأثير في الاحداث في عدد من البلدان العربية منها ليبيا والعلاقة مع قطر وتونس وعدد غير قليل من دول الخليج العربي وعدد غير قليل من القنوات المعلنة والغير معلنة فضلا عن العلاقات الدولية .

قد يكون دحلان اخرج من الحياة الرسمية الفلسطينية لكن لا احد يستطيع انكار قدرة الرجل على التأثير كسياسي محنك امتلك قدرة الحفاظ على علاقات عربية ودولية علاوة على قدرته على الحفاظ على شعبية داخل الاوساط الفلسطينية في الوطن والشتات بل واستطاع في الفترة الاخيرة استمالة عدد كبير من كوادر حركة فتح تنظيمه الذي يعتبر نفسه جزء منه ويرفض الاعتراف بانه مفصول عنه متمسكا بالاحتكام للنظام الداخلي لفتح الامر الذي خلق حالة من التعاطف والالتفاف حوله من قيادات لها مكانتها في فتح وعزز قدرته وقوته التأثيرية وهو الامر الذي اصبح من الصعب على قيادة فتح انكاره ,وبرغم الضغوط الهائلة التي مورست على دحلان ومناصريه وشركائه في التيار الذي يمثله الا ان هذا التيار رفض باي شكل من الاشكال الانسلاخ عن حركة فتح او تشكيل حالة انشقاق رغم توفر كافة الامكانات البشرية والمادية لفعل ذلك مما اكسبه احترام والتزام قطاع عريض من ابناء حركة فتح سواء بشكل معلن او غير معلن لاسيما في وسط الشباب مما جعل منه ومن معه رمز لتحدي الظلم والتفرد وجعله معضلة حقيقية امام قيادة فتح التي ترى فيه مفصول عن حركة فتح واعتقدت بانها من خلال قرارات فصله او محاكمته تقضي على ظاهرة دحلان فخلقت منه بطلا بعكس ما تريد.

وعلى المستوى الوطني نجح دحلان في حشد كم كبير من المناصرين حتى من المختلفين معه سياسيا من خلال تمسكه براية القانون للاحتكام في كل ما نسب اليه من ادعاءات واتهامات وما استطاع ان يظهره على انه تجاوز للقانون من خلال الاستناد للقانون الاساسي والنظام الداخلي للمجلس التشريعي وما اوضحه من اعتداء على حقوقه الدستورية كنائب منتخب عن الشعب الفلسطيني محولا الخلاف من زاويته الى حالة من الجدل القانوني والتمسك بسيادة هذا القانون .

و الوجه الاخر من المعادلة هي المعاناة والاحباط التي تواجه الانسان الفلسطيني على المستويين السياسي والانساني مع تغول الاستيطان وانسداد الافق السياسي وعدمية الاستراتيجية السياسية المتبعة حاليا وتيبس الاحتلال ورفضه منح الفلسطينيين أي امل حقيقي والعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني والذي كان اخره عدوان 2014 وما نتج عنه من كوارث انسانية حقيقية من شهداء وضحايا وجرحى وبيوت مدمرة وفشل عملية المصالحة وتعثر ملف انهاء الانقسام وضياع الشارع في بحر الاتهامات المتبادلة وحالة اليأس المتصاعدة مع استمرار حصار قطاع غزة وتدني المستوى الانساني الحياتي في كافة المجالات وغياب برنامج حقيقي يتلمسه المواطنين من السلطة في تخفيف اوجاعهم وآلامهم فما هو المخرج امام الناس وامام المواطن العادي الذي يدفع ضريبة الانقسام .

مع غياب اليات واستراتيجيات تنتهجها السلطة الفلسطينية تجاه رفع المعاناة عن مواطني غزة وفي ظل عدم قدرة الاطار الرسمي لحركة فتح على التأثير في قرار القيادة وعجزه عن تقديم أي شيء فعلي او عملي يسهم في التخفيف عن المواطنين حتى لأبنائه وهذا ما ظهر بشكل جلي خلال العدوان الاخير على القطاع حيث عجز الاطار الرسمي حتى عن تبني بيت عزاء لشهيد من ابناء الحركة ,علاوة عن ممارسات المؤسسات التابعة للسلطة ومنها دائرة العلاج في الخارج وما خلفته من حالة امتعاض واضح لدى المواطنين على الاستهتار بحياتهم ومعاناتهم ,مضاف اليها ملفات غزة العالقة وتأثيرها السلبي كالمقطوعة رواتبهم ووقف التوظيف من غزة وموظفي 2005 الذين تم عزلهم بشكل جماعي دون وجه حق قانوني او تسبيب مقنع اضافة الى تجاهل قيادة غزة ومحاولة فرض القرارات عليها فرضا وترويضها من خلال سياسة قطع الرواتب او التهديد بها استوجب كل ذلك ظهور اصوات من غزة تدافع عنها وتحاول رفع الظلم الواقع عليها الامر الذي تسبب في مزيد من الصدام بين قيادة السلطة وعدد من المحسوبين على قيادة غزة وازداد الامر سوءا مع محاولات عدد من المستفيدين من الازمة تصوير الامر على انه صراع مناطقي وظهور تهم التفصيل والتصنيف من دحلاني ومتجنح الى معادي او مخالف للتوجه العام في الدولة وبدأت عملية اتخاذ قرارات سريعة وفردية غير مستندة الى نظام او قانون بحق عدد كبير من قيادات غزة .

كل ما سبق اضافة الى الاحساس بالمسؤولية ومطالبات قطاع عريض من ابناء غزة لمن اعتبروهم قيادتهم التاريخية بتحمل مسؤولياتهم تجاه الظلم الذي يتعرضون له ومعاناة اهلهم في القطاع مع غياب الدور الرسمي للحركة او للسلطة دفع ابناء غزة للبحث عن اليات لمساعدة اهلم في القطاع والتخفيف من معاناتهم على المستوى الانساني دون أي التزام سياسي او تعارض مع الاطار العام للحركة والسلطة او تداخل في مهامها الرسمية في الوقت الذي كانت تتعرض فيه غزة للخنق الشديد ورات عدد من الفصائل الوطنية والاسلامية بما فيها حماس انه اذا كان هناك فرصة لمساعدة ابناء شعبنا والتخفيف من وضعه الانساني الكارثي رغم الاختلاف السياسي بين هذه الفصائل فما هو المانع ,فاستطاع دحلان والتيار الذي يدعمه من ابناء حركة فتح تسخير جزء من علاقات دحلان العربية من اجل خدمة هذا الهدف ورغم ذلك لم يقم الرجل باي شكل من الاشكال الاعلان بشكل رسمي عن دوره في تقديم أي خدمات للمواطنين وظل يردد بشكل علني وواضح في كل لقاء اعلامي انه لا يمثل أي عمل رسمي في السلطة الفلسطينية وان كل ما يقوم به هو كمواطن فلسطيني له الحق في التعبير عن رايه بما كفله له القانون ومساعدة ومساندة ابناء شعبه وان كل ما يصدر منه من قول او فعل هو امر شخصي غير ملزم لاحد ,ورغم ذلك كانت العاصفة تجاه الرجل مستمرة بمناسبة وبدون مناسبة .

وجاء التسريب الاخير عن لقاء النائب دحلان مع القيادة المصرية ليثير حالة من جنون التصريحات النافية له وهنا حقنا كأبناء غزة بعد كل هذه المعاناة وكل هذا الحصار التساؤل هل العاصفة التي صاحبت تسريب اللقاء هي استياء من نتائج اللقاء والوعود الايجابية التي خرج بها دحلان لغزة والتي اشتملت على بداية لفتح معبر رفح وتخفيف الحصار الغذائي المفروض على القطاع وما سبقها من رفع قدرة الطاقة الكهربية المغذية لرفح ومساعدة راكبين قوارب الموت والتواصل من اجل معرفة مصيرهم والافراج عن مئات المعتقلين في السجون المصرية على خلفية الهجرة غير الشرعية وغيرها من الملفات التي ساهم فيها دحلان ام استياء من شكل اللقاء رغم تكرره ومعرفة القيادة الفلسطينية بذلك بل وتلقيها تنويه من القيادة المصرية انزعاج من الحالة الانسانية في القطاع ومطالبتها اخذ اجراءات في هذا الاتجاه وما الذي منع القيادة من الاقدام على هذه الخطوات من اجل تخفيف الوضع الانساني المتردي في القطاع .

اننا في قطاع غزة نطالب قيادة السلطة ان تأتي الى غزة وتعاين حالة المواطنين فيها عن كثب وترى الى أي مستوى وصل فيه المواطنين من المعانة فلم تعد تكفي المواطنين في غزة ادعاء السلطة بانها تنفق نصف موازنتها عليها في الوقت الذي يتفشى في القطاع البطالة والاحباط واليأس فان غزة ترفع القبعة لكل من يبحث عن معاناتها ويخفف الام ابنائها ولا يعنيها صراع شخصي او اختلاف .

بل اكثر من ذلك فان مواطني غزة الذين خرجوا عشرات المرات من اجل انهاء الانقسام واعادة اللحمة الوطنية ولحمة الوطن باتوا مقتنعين اكثر من أي وقت مضى بان الحل يكمن في استراتيجية وطنية موحدة من اجل مواجهة الواقع المتردي الذي يعيشونه وانا ازعم انني لن اتفاجأ من اجراءات عملية يقدم عليها الكل الوطني والاسلامي في غزة من اجل دعم هدف الحد من معاناة غزة والاسراع في استعادة وحدة الوطن وقد لا يفاجئني البدء في الترتيب لبعض الخيارات الديمقراطية في غزة على بعض المستويات كالبلديات مثلا من اجل دفع عجلة الحياة في غزة .

وهنا على الجميع ان يقرر ان يركب قطار الوطن او ينتظر على المحطة متفرجا تسارع القطار املا ان ينتظر القطار الاذعان لإرادته فالوطن مقاسه اكبر من أي فرد او جماعة الوطن للجميع وما يعني المواطن الامل وانهاء معاناته بعيدا عن أي مسميات او اختلافات .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد