40-TRIAL-ينطبق على المواقف الإسرائيلية التي جاءت تعقيباً على المصالحة والمواقف الفلسطينية الأخيرة المثل القائل "احترنا يا قرعة من وين نبوسك"، فلا يوجد أي موقف يمكن أن ترضى عنه الحكومة الإسرائيلية. فقبل الاتفاق على تطبيق بنود المصالحة الذي أعلن عنه مؤخراً في غزة كان الكثير من الإسرائيليين يسألون: عندما يتم توقيع اتفاق سلام مع القيادة الفلسطينية كيف يمكن تطبيق الاتفاق في الضفة وغزة في حين لا يسيطر الرئيس أبو مازن على غزة، وبعضهم كان يطالب أولاً بفرض سيطرة السلطة على غزة كشرط للاتفاق.
وكان هؤلاء يرفضون فكرة أن أي اتفاق سيتم التوصل إليه مع إسرائيل سيعرض للاستفتاء الشعبي وعندما تقره أغلبية الشعب الفلسطيني ستلتزم به كل الفصائل بما فيها حركتا " حماس " و"الجهاد الإسلامي" حسب الاتفاق الفصائلي في القاهرة.
وعندما حصل التوافق على المصالحة هاجت إسرائيل وماجت وتساءل الخبراء والمحللون والساسة باستثناءات قليلة كيف يقدم أبو مازن على احتضان "حماس" الحركة "الإرهابية" التي تريد القضاء على إسرائيل. وأيضاً ينسى هؤلاء أن إسرائيل امتنعت عن استكمال حربها في غزة العام 2008 حتى لا يسقط حكم "حماس" التي أريد لها أن تكون عنواناً للانقسام للتذرع به وكذلك عنواناً لضبط الفصائل المسلحة وعمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى إسرائيل.
والحكومة الإسرائيلية وقعت اتفاقا مع "حماس" بصورة غير مباشرة مرتين على الأقل مرة في صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الأسير غلعاد شاليط، ومرة أخرى لوقف اطلاق النار أو التهدئة.
والرئيس أبو مازن الذي كان مثالاً للاعتدال في زمن الرئيس ياسر عرفات وفي محطة المفاوضات مع ايهود أولمرت أصبح بقدرة قادر متطرفا وإرهابيا ويريد إبادة إسرائيل وينكر المحرقة ويتنكر لحق اليهود في دولة خاصة بهم تكون وطناً قومياً لهم.
ويرفض التنازل عن حق العودة. مع أن بعض الإسرائيليين يقولون إن أبو مازن لم يغير مواقفه منذ عقود طويلة فهو يرفض العمل المسلح وكل أشكال العنف ويقبل معايير كلينتون لحل قضية اللاجئين، ويقول صراحة أمام وفد إسرائيلي إنه لا يرغب في اغراق إسرائيل بملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وحتى عندما يقول عن المحرقة في العهد النازي إنها الجريمة الأفظع في العصر الحديث، يجري اتهامه بأنه لا يقول الحقيقة، ويستدلون على ذلك بكتابه الذي تحدث فيه عن العلاقة بين النازية وقادة الحركة الصهيونية، مع أنه لا يوجد تضارب بين القولين. وعن هذه العلاقة كتب بعض اليهود أيضاً.
وتتجاهل إسرائيل حقيقة أن المصالحة الحالية قربت "حماس" كثيراً لموقف الرئيس أبو مازن وقيادة منظمة التحرير التي باتت تتحدث بلغة واحدة تقارب الإجماع الوطني الشامل حول قبول حل الدولتين على أساس حدود العام 1967، وهذا الموقف هو ايضاً موقف حركة "حماس" بغض النظر عن استعدادها أو عدم استعدادها للاعتراف بإسرائيل.
أي أن المصالحة تساهم في توفير شروط أفضل للتسوية، مع أن التسوية لو حصلت كان يمكن أن تقرب كثيراً المصالحة لأنها بالضرورة ستنتج استفتاء عاماً وانتخابات جديدة وواقعاً مختلفاً عما قبلها.
وفي النهاية لم تقترب إسرائيل حتى اللحظة من فكرة التسوية، والمفاوضات كانت عقيمة وشكلت غطاءً لبناء استيطاني كثيف يعكس رغبة مغايرة لدى الحكومة الإسرائيلية تريد من خلالها خلق المزيد من العقوبات في طريق العملية السياسية.
ولو أن المفاوضات حققت تقدماً ملموساً أو اختراقا فعليا واقتربت من لحظة الحقيقة لكان أجدى الانتظار قليلاً حتى تكتمل.
ولكن لا يعقل أن تفشل المفاوضات وتصل إلى طريق مسدود حتى في الاتفاق على شروط استكمالها بسبب نكوص إسرائيل من التزاماتها بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى ورفضها الاحتكام لمرجعية محددة لعملية المفاوضات وتقول لنا إن أبو مازن اختار "حماس" بدلاً من السلام مع إسرائيل الذي على ما يبدو لن يكون واقعياً في المدى المنظور.
والشيء الغريب الآخر في الموقف الإسرائيلي الذي يظهر بأن هذه الحكومة إنما تبحث عن مبررات وذرائع للهروب من العملية السياسية حتى لا تتهم في نهايتها بأنها تتحمل مسؤولية الفشل هو المواقف المتعددة والمتناقضة أحياناً لدى مكونات الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب "الليكود - اسرائيل بيتينو"، فهناك من يرقص على خراب المفاوضات ويتنفس الصعداء من أن الفلسطينيين قدموا سبباً لهم لوقف التفاوض الذي لم يكونوا يرغبون فيه والذي هدد بعضهم بالانسحاب من الحكومة إذا أوفت بالتزاماتها بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وهذا ما عبر عنه صراحة وزراء من حزب (البيت اليهودي) وبعض وزراء "الليكود - إسرائيل بيتينو"، بينما كان موقف حزب" هاتنوعا" برئاسة تسيبي ليفني وحزب "ييش عتيد" الذي يقوده يائير لبيد مختلفاً، وأبديا رغبة في البحث عن استمرار المفاوضات وعن إغلاق الباب نهائياً أمامها.
على كل الأحوال لا يوجد ما يمكن الندم عليه في المواقف الإسرائيلية وحتى الأميركية التي لا تقدم للجانب الفلسطيني أي شيء حتى يتمهل أو يتجاهل حاجة وطنية ملحة لتعزيز قوة وحصانة الجبهة الداخلية بتحقيق المصالحة التي ينبغي أن تستكمل على أساس الاتفاقات السابقة بما لا يقفل الباب أمام التسوية السياسية إذا نضجت الظروف.
ولا يهم كثيراً ما تقوله أو تفعله إسرائيل حتى في إطار العقوبات التي تهدد بها، فالمواجهة مع سياسة الاحتلال هي في النهاية قائمة ووصولها إلى لحظة الذروة مسألة وقت والمجتمع الدولي سيكون الشاهد والحكم في نهاية المطاف. 205

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد