منصور: حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره والعيش بحرية هو أمر مشروع

مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور

قال المندوب الدائم لفلسطين في الأمم المتحدة السفير رياض منصور، إن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والعيش بحرية هو أمر مشروع، ولا يمكن التصرف فيه وهذا الحق ليس للبيع، ولا يمكن التفاوض أو المساومة عليه من أي أحد ولا نطلب إذنا لممارسته.

وأضاف منصور خلال كلمته في جلسة فصلية لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الاوسط، اليوم الخميس، "إن السلام لا يتحقق في غياب حقوق الإنسان ولا يمكن ان يبنى على اساس إنكار الآخرين إنسانيتهم، وكما برهن ذلك من خلال التاريخ".

وطالب منصور بوضع حد للاحتلال والظلم التاريخي الواقع على شعبنا، وهذه الدعوة ليست فقط لاحترام تحقيق حقوق الانسان والطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، وانما للمجتمع الدولي لاحترام وللدفاع عن المبادئ والاخلاق العالمية التي تطورت وتم الموافقة عليها كمبادئ لمنع حصول المزيد من الخطر في مثل هذه المراحل الاخذة بالسوء.

وأوضح أنه لا يمكن فرض السلام بالقوة، ووضع فلسطين ليس استثنائيا، مضيفا إنه وعلى الرغم من أزمة حقوق الإنسان والمشكلات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، فإنه يستمر في طريق السلام وعدم العنف وما نشهده هو وجود سياسات قصيرة النظر كالسياسات الإسرائيلية القائمة على العنف واستخدام الوحشية ضد الشعب الفلسطيني واستعمار الارض الفلسطينية دون وجود نتيجة لذلك.

وأشار إلى أن هذه السياسة تستكمل من قبل الولايات المتحدة الأميركية، التي تمارس مزيدا من الضغط على القيادة الفلسطينية، ما يتسبب بتردي الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى محاولة فرض ما يسمى بـ"صفقة السلام" من قبل الولايات المتحدة، وجعل العملية السياسية أكثر صعوبة، وجرف امكانيات الثقة بين الطرفين، لافتا إلى أن السياسة التي تكون مبنية على أحكام مسبقة وتحاول فرض حقائق على العرض لا تؤدي الى الأمن والسلام وانما لمزيد من الصعوبات.

ودعا منصور، إلى ضرورة التخلص من هذا الخطاب الذي من شأنه تقويض الحقوق الفلسطينية وطموحات الشعب الفلسطيني، معتبرا أن محاولة تجريد " الأونروا " من أهليتها، والسلطات المتاحة لها أمر غير مقبول من قبل المجتمع الدولي، حيث ان الولايات المتحدة الاميركية تحاول تحقيق ذلك من خلال سحب مساهمتها في دعم "الأونروا" والضغط على الدول الاخرى لفعل ذلك.

وقال: "لابد من الوقوف الى جانب الشعب الذي يقف من اجل حقوقه وفقا للمواثيق والقرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي حيث يقوم الشعب الفلسطيني بذلك دون ضعف واهتزاز وبعمل سلمي ودبلوماسي وقانوني وبشكل حضاري من أجل تأمين حقوقه وضمانها".

وتابع منصور: "نحن نعارض إنكار حقوق الشعب الفلسطيني وإعفاء إسرائيل من التزاماتها وفق القانون الدولي ونلمس ترددا في تحميلها المسؤولية عن انتهاكها لكل التزاماتها كقوة احتلالية تحتل شعبنا في أرضه وتعامله في أكثر اشكال العنف، وتعرقل عمليات السلام التي نعمل من أجلها، كما وترفض المفاوضات على اساس حل الدولتين، وتريد تعزيز احتلالها واستعمارها، كل هذا وتحصل على معاملة تفضيلية من البعض".

وذكر منصور ان "إسرائيل تعمد إلى عدم الدخول في مفاوضات ذات مصداقية من شأنها أن تؤدي الى حل في القدس الشرقية، والمستوطنات، والحدود، واللاجئين، والمياه، والأسرى، حيث أن هذه القضايا الأساسية من أجل السلام الدائم والأمن بين الجانبين، لذلك يجب أن يفهموا أن المفاوضات تقوم على اساس مرجعية واضحة مبنية على مبادئ مدريد والأمم المتحدة، والمبادرة العربية للسلام، هذه ليست شروطا استباقية وانما ضمانات من اجل السلام العادل، والتي ستعالج الحقوق المشروعة واهتمامات الطرفين، واما الادعاءات والاجراءات غير الشرعية لا يمكن ان تحل القضية وانما تؤدي الى العبثية واستهلاك الوقت دون استثمار بما جاء في اتفاق اوسلو".

واعتبر منصور أن أي منهجية جديدة لصناعي السلام يرحب بها على اساس مبادئ واضحة، حيث انه ودون معالجة القضايا الجذرية بما فيها الوضع التاريخي لتشريد الشعب الفلسطيني والمستوطنات والقدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين سيكون مستقبلها الفشل، مضيفا أننا نعول على المجتمع الدولي بأن يتولى المسؤولية الجماعية لوقف الاحتلال الإسرائيلي ووضع حد لهذه العقود السبعة من ظلم المجتمع الدولي.

وحث مجلس الامن الدولي على تطبيق ميثاقه، والالتزام بالقرارات الصادرة عنه بما في ذلك قرار (2334) والقرارات الأخرى الخاصة بالمسائل الجذرية، التي تؤدي معالجتها الى سلام عادل ودائم.

وأكد منصور "التزامنا بحل الدولتين كطريقة للسلام والقبول بالسلام العادل وليس الذي يجرد الشعب الفلسطيني من ارضه ومن حقه".

وتساءل كيف يمكن ان تطلب السلام، وتدعم الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين بشكل يومي، والتي تهدم امكانيات السلام اعمال القتل الوحشية التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون وحرمان الشعب الفلسطيني من الحماية وإطلاق العنان لقوات الاحتلال ضده.

وقال منصور "إن الإحصاءات تبين عدد النساء والرجال والأطفال الذين استشهدوا خلال المظاهرات السلمية في قطاع غزة ، حيث استشهد 45 طفلا، إلى جانب الشهيدة عائشة الرابي، وهي أم لثمانية أبناء، قتلها مستوطن اسرائيلي بالإضافة إلى جرح آلاف من الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي هؤلاء ليسوا مجرد ارقام".

وأضاف، إن ترحيل الناس كما يحصل في الخان الأحمر وشاهدنا ذلك في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات هذا بمثابة تخلص من الشعب، واسرائيل تحاول تشريع ذلك من خلال قوانين تدعيما منها لاحتلالها وحرمان الشعب الفلسطيني من أي مستوى من مستويات العدالة وهذه جريمة حرب، يجب عدم السكون واختلاق الأعذار بمثل هذه الأعمال.

وأشار إلى اسرائيل تريد ضم الارض الفلسطينية، وكما اعلنت ما تسمى وزيرة العدل الإسرائيلية حيث أنها تريد ضم الارض الفلسطينية لإسرائيل في تحد واضح للمجتمع الدولي.

وأكد منصور انه لا يمكن الاستمرار بانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث انهم يعيشون حالة سيئة من الوضع الإنساني بسبب الاحتلال الذي يعمل على تعميق الانقسام الفلسطيني ويهاجم الفلسطينيين ويبقي الجرح الفلسطيني نازفا دون توقف كما يعمق الخلاف ويمنع تحقيق المصالحة التي يساعد المصريون في تحقيقها.

وأوضح منصور أن اعتقال إسرائيل لآلاف الفلسطينيين من بينهم الأطفال مستخدمة السياسات التلفيقية لا يمكن ان يستمر، علاوة على ذلك فإنهم يطالبون بوقف المساعدات لعائلات هؤلاء الأسرى هذا امر غير مقبول منا جميعا، مضيفا أنه لا يجب السكوت على التطرف الديني وخطاب التحريض والكراهية والاعتداء على الحرم الشريف، وتشريع العنصرية والتمييز والفصل العنصري من خلال القوانين والتشريعات التي تعامل شعب أنه متفوق على آخر وتمنحه حقوق في أرض على حساب ارض وشعب آخر وتتنكر في نفس الوقت لكل الحقوق للشعب الأصلي وهو الشعب الفلسطيني.

وتابع "هذه القوة المحتلة يجب أن لا تتمتع بالحصانة حيث تقتل المدنيين الابرياء دون الاكتراث بالمعاير والقوانين الدولية ان الحصانة تؤدي الى زيادة العقبات امام السلام وطموحات وامال شعبنا، ان الاحتلال غير شرعي ومستمر منذ 50 سنه دون اجراء على الارض لإنهائه، انما يزيد الخطر على شعبنا ومنطقتنا ويقوض مصداقية النظام العالمي ويبين مدى امكانية زيادة جرح ومعاناة الإنسانية".

بدوره، قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف ، إن السلام الدائم الذي يلبي التطلعات الوطنية والتاريخية والدينية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لن يكون ممكنا بدون التوصل إلى حل تفاوضي حول قضايا الوضع النهائي، كما يحددها الطرفان.

وشدد على ضرورة كسر الدائرة اللانهائية من الاستجابات الطارئة والتدابير الهادفة لسد الفجوات. وقال إن الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أو غزة أو اللاجئين في المنطقة، يستحقون حلولا عادلة ودائمة.

وقال: "يستحق الفلسطينيون فرصة لاستعادة كرامتهم وبناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم، ويستحقون أن يمسكوا بزمام مصيرهم وأن يحكموا من مؤسسات منتخبة ديمقراطيا، وأن تكون لهم دولة تعيش في سلم وأمن مع إسرائيل، بدون جدران الاحتلال أو خوف من الانتقام أو النزوح، بدون خوف من قضاء حياتهم كلها في كفاح ليس له نهاية".

وأضاف أننا "كل شهر نقدم إحاطة لهذا المجلس حول الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. كل شهر نتحدث عن كيفية تقويض استمرار بناء المستوطنات وهدم المباني الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، لأسس آفاق إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة. ندين الإرهاب والعنف والتحريض الذي يؤدي إلى تآكل الثقة، وندعو إلى الوحدة والمصالحة".

وتابع: "كل شهر نناشد القادة السياسيين، إيجاد سبيلهم إلى العودة لطاولة المفاوضات وعكس الاتجاهات السلبية على الأرض واستعادة الأمل عبر المفاوضات السلمية فقط لا العنف، حيث يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين العيش جنبا إلى جنب، ممسكين بزمام مصيرهم. ولكن يوما بعد الآخر نرى الوضع على الأرض ينزلق إلى اتجاه آخر وينجرف نحو واقع الدولة الواحدة التي يطول فيها أمد الاحتلال والعنف بما لا يخدم السلام، ونرى الإجماع الدولي حول كيفية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يواجه التحديات".

من جانبه استهل مدير عامّ بتسيلم، حجاي إلعاد، خطابه في مجلس الأمن بالقول "من الصّعب جدًّا إن لم يكن مستحيلًا أن أنقل لكم الصّورة الكاملة للإهانة والغضب والألم التي يحسّها شعب تُسلب منه حقوق الإنسان طيلة أكثر من خمسين سنة. يصعب هنا في هذه القاعات التعبير بصيغ تنقل بدقّة معنى الحياة المكشوفة والمُستباحة التي يعيشها الفلسطينيّون. ولكن مهما كان صعبًا وصف ذلك فإنّ المشقّة الحقيقيّة هي في المعيشة التي لا تُطاق- مجابهة مستمرّة على نحو يوميّ: الكفاح من أجل العيش ورعاية أسرة وتنمية مجتمع في مثل هذه الظروف".

لقد مضت سنتان تقريبًا منذ آخر مرّة تشرّفت فيها بالتحدّث أمام مجلس الأمن. مرّت سنتان أخريان من الاحتلال، سنتان تواصل فيهما روتين سنوات الاحتلال الـ49 التي سبقتها. منذ خطابي الأخير ذاك قُتل 317 فلسطينيًّا على يد قوّات الأمن الإسرائيليّة وقُتل 13 إسرائيليًّا على يد فلسطينيّين. هدمت إسرائيل 294 منزلًا فلسطينيًّا وواصلت حملات الاعتقالات اليوميّة بما في ذلك اعتقال القاصرين.

خرّب المستوطنون الإسرائيليّون الحقول الفلسطينيّة وأبادوا آلاف أشجار الزيتون وشجيرات الكرمة وواصلت قوّات الأمن الإسرائيليّة اقتحاماتها العشوائيّة لمنازل الفلسطينيّين في دُجى اللّيل أحيانًا حيث تُفزع الأطفال من نومهم لكي تسجّل أسماءهم وتلتقط صورًا لهم. وأيضًا خلال السّنتين الأخيرتين خسر الفلسطينيّون آلاف الساعات في طوابير الانتظار على حواجز التفتيش دون توضيح أيّ سبب. وهكذا يواصل الاحتلال مسيرته الروتينيّة دون عائق.

وتابع: إنّ هذا الواقع يوصف في معظم الأحيان بعبارة "الوضع القائم" رغم أنّه لا شيء قائم ولا ثابت في هذا الواقع. إنّها عمليّة محسوبة ومقصودة لتجزئة الشعب وتفتيت أرضه وشرذمة حياته: فصل غزّة عن الضفة الغربية وفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقيّة وتشظية بقيّة أراضي الضفة الغربية إلى جيوب منفصلة وإنشاء جدار يعزل القدس عن بقيّة أراضي الضفة الغربيّة. ما يتبقّى في نهاية المطاف قطع منفصلة من الأسهل التحكّم بها: عائلة في حيّ سلوان في القدس الشرقيّة يخيّم فوقها قرار "إخلاء"؛ قرية مثل عوريف الواقعة جنوبيّ نابلس تكافح لأجل الصّمود فوق أراضيها وفلاحتها رغم ضآلة الاحتمالات في مواجهة اليد الطولى للدولة والتي تظهر على شكل عُنف المستوطنين المنفلت الزمام؛ أو مناطق "A" في الضفة الغربية التي يزعم أنّها "تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة" رغم انّها أساسًا بانتوستانات كبيرة ولكن تجري مساعٍ بطيئة ودؤوبة لتطويقها أكثر وأكثر عبر إقامة مستوطنات إسرائيليّة جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة.

واستطرد: لا شيء من هذا يجري عشوائيًّا. إنّها سياسة ممنهجة. اثنان من أكثر الأمثلة وضوحًا مؤخرًا: ممارسات إسرائيل في مواجهة احتجاجات غزّة الأخيرة والمخطّطات التي وضعتها للخان الأحمر التجمّع الرّعويّ الفلسطينيّ. أكثر من 200 شخص لا يفصلهم عن القدس سوى بضعة كيلومترات يعيشون في منطقة عزمت إسرائيل على تقليص الوجود الفلسطينيّ فيها لأجل توسيع المستوطنات.

وضعت إسرائيل خطّة لاقتلاع هذا التجمّع بدعوى أنّ جميع مبانيه مخالفة للقانون حيث أقيمت بدون ترخيص. علاوة على ذلك تدّعي الحكومة أنّها تكرّمت وعرضت نقل التجمّع إلى موقع بديل وحتّى أنّها مستعدّة لتحمّل تكاليف النقل. كذلك تدّعي إسرائيل أنّ لممارساتها شرعيّة قانونيّة: ألم تمنحها المحكمة العليا مصادقتها؟ لكنّ هذه الادّعاءات لا تعدو كونها مغالطات هزلية صيغت بدقّة على يد محامي النيابة المتحمّسين تحت تشويه واضح لروح القانون إذ ترتكز على الالتفاف الفارغ على القانون والتي لا صلة لها بالعدالة. أوّلًا لا جدال في أنّ تلك المباني أقيمت دون ترخيص من السلطات الإسرائيليّة المختصّة لكنّ هذا يحدث ليس لأنّ الفلسطينيين في طبيعتهم يميلون إلى مخالفة القانون كما يدّعي البعض في إسرائيل وإنّما لأنّه لا خيار آخر أمامهم. من شبه المستحيل أن يحصل الفلسطينيّون على تراخيص بناء من السلطات الإسرائيليّة لأنّ نظام التخطيط الإسرائيليّ الذي أقيم في الضفة الغربيّة قد جرى تصميمه لخدمة المستوطنين وسلب الفلسطينيّين. ثانيًا لقد تجاهلت الحكومة في إعلانها هذا بأنّ الموقعين البديلين الذين تكرّمت وعرضتهما بعيدان جدًا عن تحقيق السقف الأدنى للظروف الدنيا: أحد الموقعين يتاخم مكبّ نفايات والآخر يتاخم منشأة لتطهير مياه المجاري. أكثر من ذلك فسوف يقوّض نقل سكّان التجمّع قدرتهم على كسب رزقهم. وأخيرًا أصدرت المحكمة العليا قرارها في تجاهل تامّ لواقع نظام التخطيط في الضفة الغربية وهكذا فمصادقة المحكمة العليا على قرار الحكومة لا تجعل الهدم عادلًا أو حتّى قانونيًّا. إنّها فقط تجعل القضاة شركاء في جريمة حرب أي النقل القسريّ لسكّان محميّين في أراضٍ محتلّة.

وأضاف إلعاد في خطابه، قطاع غزّة الذي يبلغ عدد سكّانه نحو مليونَي نسمة قد أصبح في الأساس سجنًا مفتوحًا. خرج نزلاء السجن في الأشهر الستّة الماضية محتجّين على أوضاعهم بعد أن عانوا طيلة أكثر من عشر سنوات تحت وطأة حصار تفرضه إسرائيل، حصار أدّى إلى انهيار اقتصاد القطاع وارتفاع حادّ في معدّلات البطالة وتلوّث مياه الشرب وتناقص إمدادات الطاقة الكهربائية وفي نهاية المطاف أدّى إلى حالة يأس عميق. منذ الـ30 من آذار جُرح أكثر من خمسة آلاف فلسطينيّ بنيران إسرائيليّة وقُتل أكثر من 170 بينهم 31 قاصرًا ومنهم أطفال صغار: مجدي السطري وياسر أبو النجا وناصر مصبح قُتلوا ولمّا يتجاوز أيّ منهم الـ11 من عمره.

وكما في حالة خان الأحمر قررت "محكمة العدل العليا" في إسرائيل أنّ سياسات إسرائيل تجاه قطاع غزة "قانونيّة" في عدّة قضايا مختلفة منها شرعنة بعض أبعاد الحصار وشرعنة تعليمات إطلاق النار التي تبيح للقنّاصة الإسرائيليّين مواصلة قنص المتظاهرين داخل القطاع من بعيد.

المشكلة الوحيدة مع هذا كلّه هي أنّه لا شيء منه في الواقع قانونيّ أو أخلاقيّ. ومع ذلك طالما أنّ هذه العمليّة الجارية الممنهجة والدؤوبة مستمرّة دون أن تثير غضبًا أو تحرّكًا دوليًّا عندها يمكن لإسرائيل أن تواصل بنجاح حمل التناقض بين مصطلحي الاضطهاد والديمقراطيّة: أن تضطهد ملايين الأشخاص وأن تُعتبر "ديمقراطيّة" في الوقت نفسه.

باختصار شديد هذا هو النمط الذي يتّبعه الاحتلال: المؤسّسات الإسرائيليّة التي لا تمثيل فيها للفلسطينيّين تتبادل قطعًا من الورق في إجراءات مصمّمة جيّدًا على طريقة "الشريط الإنتاج المتحرّك". كيف يمكننا إضفاء شرعيّة قانونيّة على هدم هذا التجمّع؟ كيف يمكننا "تبييض" عمليّة قتل أخرى؟ كيف يمكننا شرعنة سلب قطعة الأرض الفلسطينية هذه؟ نحن لدينا تجربة أكثر من 50 عامًا هي مدّة كافية لنتعلّم كيف نجمّل هذه المهزلة بحيث تستمرّ كآلة "مزيّتة" جيّدًا. نحن الآن خبراء في بناء هذه الواجهة من الشرعيّة القانونيّة الزائفة بحيث مكّنتنا من تفادي أيّة تبعات دوليّة حقيقية بنجاح كبير.

على عكس ما تدّعي إسرائيل لا علاقة لأيّ من هذه الأفعال والممارسات بالأمن ولكن لها تأثير على الشيء المبهم المسمّى عمليّة السلام. إذا نظرنا خلف كواليس هذه العمليّة، سنرى بوضوح كيف أنّه رغم الحديث عن نتائج ينبغي التوصّل إليها عبر مفاوضات يجري في الواقع فرض إملاءات مستمرة عبر خطوات إسرائيليّة أحاديّة الجانب. أعضاء مجلس الأمن، لا توجد هنا عملية سلام بل القول سلاما (وداعا) فلسطين.

تمعّنوا في هذه المقارنات التاريخيّة: لقد كان اضطهاد الناخبين ركيزة حُكم الجنوب الأمريكي في ظلّ قوانين جيم كرو أمّا نحن فقد صنعنا ركيزة أفضل - شطب إمكانية التصويت من أساسها: طالما أنّ الفلسطينيّين الواقعين تحت الاحتلال هم غير مواطنين فهذا يعني أنّه لا يمكنهم التصويت وفوق ذلك لا تمثيل لهم في المؤسّسات الإسرائيليّة التي تتحكّم بجميع تفاصيل حياتهم. خذوا مثالًا آخر: انظروا إلى آليّات التخطيط التمييزيّة وجهازي القانون المنفصلين في الأراضي المحتلّة. إنّها تذكّرنا بنظام الفصل العنصري الممنهج (grand apartheid) في جنوب إفريقيا. من المفهوم أنّ المقارنتين التاريخيّتين المذكورتين لا تعنيان التطابُق التامّ لكن هذا هو حال التاريخ لا يوفّر لنا الدقّة لكنّه يوفّر لنا بوصلة تشير إلى رفض اضطهاد إسرائيل للفلسطينيّين بالقناعة الرّاسخة نفسها التي رفض بها ضمير الإنسانيّة تلك المظالم الكبرى.

وتابع قائلا: لكن يبدو أنّ إسرائيل تتّبع بوصلة تشير إلى غاية أخرى وحيث هي تثابر في سعيها فهي تنشغل أيضًا بإزالة أيّة عقبات قد تعيقها عن تحقيق غايتها: المساعي الحثيثة لسنّ القوانين ضدّ منظمات حقوق الإنسان الإسرائيليّة يلازمها جنبًا إلى جنب المساواة بين رفض الاحتلال والخيانة. تصريحات حكومة إسرائيل قبَيل انعقاد جلسة مجلس الأمن اليوم هي مثال آخر مؤسف على روح العصر. ولذلك أتوجّه إلى رئيس الحكومة نتنياهو لأقول له التالي: لن تستطيع إسكاتَنا أبدًا لا نحن ولا آلاف الإسرائيليّين الذين يرفضون الحاضر القائم على الفوقيّة والاضطهاد ويصرّون على مستقبل قوامه المساواة والحرية وحقوق الإنسان.

أنا لست خائنًا ولستُ بطلًا أيضًا. الأبطال هم الفلسطينيّون الذين يتحمّلون هذا الاحتلال بشجاعة ومثابرة وهم يستيقظون في دُجى اللّيل ليجدوا الجنود قد دهموا منازلهم ويعرفون أنّه عندما يُقتَل أحبّتهم يكون الإفلات من العقاب مضمونًا لجميع الضالعين في الجريمة. والأبطال هم الفلسطينيّون الصّامدون على أرضهم رغم علمهم أنّ وصول الجرّافات مسألة وقت فقط.

أنا واحد من فريق يضمّ نحو 40 إسرائيليًّا وفلسطينيًّا ملتزمًا بغايته. النقطة الأساسيّة في نظرنا ليست ما عدد الدول الصحيح للتوصّل إلى "حلّ" وإنّما إحقاق حقوق الإنسان. لهذا نحن نرفض الاحتلال. نحن نرفضه لأنّ الواقع الحاليّ يتعارض كلّيًّا مع معايير الحقّ ومعايير العدل. إنّه واقع السّلب التامّ لحرّية وكرامة 13 مليون إنسان هم جميع الفلسطينيّين والإسرائيليّين الذين يعيشون بين النهر والبحر. هذا هو المستقبل الذي نسعى إليه.

حتّى إذا بدت تلك الرؤيا بعيدة الآن بل وتتلاشى أكثر فأكثر نحن قادرون على أن نجعلها واقعًا معيشًا. خطوات دوليّة جدّية وحازمة يمكنها أن تحقّق ذلك. إنّه الخيار اللّاعُنفيّ الوحيد الممكن. يجب على العالم أن يجعل إسرائيل تعلم أنّه لن يقف مكتوف الأيدي بعد الآن وأنّه سيتّخذ خطوات ضدّ السحق المتواصل للشعب الفلسطينيّ.

إنّ النظام الدوليّ القائم على قواعد ومعايير لن يقف موقف المدافع عن نفسه. تفتيت فلسطين المتواصل بنجاح يُلحق الضرر بالفلسطينيّين والإسرائيليّين على حدّ سواء كما بالقانون الدولي وبالقيم التي يكرّسها. إنّ الدور المنوط بمجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة - أعضاء البعثات الحاضرين في هذه القاعة هو مراقبة هذه المسألة بالذات. نحن نراهن عليكم وعلى مجلس الأمن أن يتّخذ خطوات فعليّة والحقيقة أنّه قد سبق أن قرّر ذلك، وإن بشكل محدود جدًّا. على أيّة حال من البيّن أنّ الأمين العامّ لا يملك حتى الآن سوى القليل ليُدلي به تقريرًا عن تطبيق البند 5 من القرار رقم 2334.

قبل أن أختتم أودّ أن نعود معًا إلى خان الأحمر. الحاجة إلى خطوة فعليّة في هذا الشأن باتت ملحّة وعاجلة.

فيما تختبر إسرائيل تصرّف المجتمع الدوليّ لترى بأيّة سرعة وإلى أيّ مدى سوف يتحرّك، ما قد يحصل الآن في كلّ يوم في الخان الأحمر سوف يحدّد مصير التجمّعات الفلسطينيّة في جميع أنحاء الضفة الغربية. حتى الآن تواصل إسرائيل بلا هوادة استعداداتها لهدم واقتلاع تجمّع خان الأحمر. حتى الآن لم يكن هناك أيّ أثر للتصريحات الدوليّة الرّفيعة وهذا صحيح حتى بالنسبة للصوت الموحّد الذي صدر في 20 أيلول عن الأعضاء الأوروبيّين الخمسة في هذا المجلس مضافًا إليهم صوت العضو السابق إيطاليا والعضوين المستقبليّين - بلجيكا وألمانيا. وهنا دعوني أعبّر لكم عن خالص شكري وعميق تقديري على هذه التصريحات. لولا جهودكم لربّما لم يكن تجمّع خان الأحمر موجودًا اليوم. ومع ذلك فإنّ إسرائيل قد ردّت على ندائكم بمواصلة الاستعدادات للهدم والاقتلاع. فقط منذ بضعة أيّام وصف وزير الأمن ممارسات لا تقلّ عن جريمة نقل قسريّ على أنّها "نقل مجموعة صغيرة من الأشخاص ضمن دائرة يبلغ قطرها بضعة كيلومترات". لقد ناشدكم أن توقفوا "تدخّلكم الصّارخ" في مخطّطات إسرائيل، وكأنّ النقل القسري في حقّ سكان تجمع خان الأحمر - الذي هو خطوة استراتيجيّة ضمن مشروع تفكيكيّ تقوم به إسرائيل، هو مسألة إسرائيليّة داخليّة.

أعضاء مجلس الأمن، لقد تكلّمتم وقد جاءكم ردّ إسرائيل. أمّا الآن فقد حان وقت الفعل.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد