مهنا: سبب تراكم القضايا يعود لفساد المحضرين وتلاعب بعض المحامين

184-TRIAL- رام الله / بثينه حمدان /  سوا / كشف د. علي مهنا رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسباب الحقيقية وراء تكدس القضايا في المحاكم الفلسطينية، وأبرزها ضعف القوانين، وفساد مُحضِر المحكمة، وتلاعب المحامين في سير الدعوى وضعف الامكانيات وأوضح رؤية المجلس في تطوير منظومة القضاء الفلسطيني الذي يعيش أوضاعاً غير طبيعية وبالتالي يحتاج إلى حلول غير عادية على حد قوله.
وجاءت اقوال مهنا في سياق مقابلة اجرتها صحيفة الحياة الجديدة لمتابعة تحقيق نشرته بعنوان "غياب الشاهد غيبوبة العدالة" في صفحة التحقيقات التي تنشرها الصحيفة.
وقال مهنا ان تكدس القضايا وتراكمها دون صدور أحكام فيها لسنوات يتعلق بسير الدعوى العادية التي تمر بثلاثة مراحل تقاضٍ، وهي محكمة الصلح ومحكمة البداية، والمرحلة الثانية الاستئناف والثالثة وهي العليا وتتمثل بمحكمة النقض، وهذه المراحل محكومة بضمانات المحاكمة العادلة التي يحق للمواطن أن يلجأ فيها لكافة المراحل للوصول إلى أعلى درجات العدالة، فالقاضي قد يخطئ في حكمه وفي القانون، وهنا يأتي دور المحكمة التي تليه للتصحيح.
وأشار إلى أن عدد قضاة المحكمة الأولى قاضٍ واحد خاصة في القضايا الحقوقية، أما في الجزاء فإذا كانت الجناية كبيرة يصل عدد القضاة إلى ثلاثة، وفي الاستئناف ثلاثة أيضاً وفي النقض خمسة قضاة، وبالتالي الحد الأدنى وضمن دورة الدعوى في الثلاثة مراحل لابد أن تمر الدعوى على تسعة قضاة لضمان عدالة الحكم.
وفند رئيس مجلس القضاء الاعلى المشاكل التي تعاني منها هذه الآلية وقال: "الإشكالية هي في الاستخدام الخاطئ بهدف المماطلة وفقاً لمصلحة المحامي والقضية التي يمثلها، فإذا خسر القضية في محكمة البداية يطعن في الاستئناف ثم النقض والخصم أيضاً سيحارب حتى نهاية المعركة، وهذا الاستخدام قد يكون خاطئاً ويعلم المحامي ذلك لكنه يسعى لزيادة العمر الافتراضي للدعوى وايصال المدعي لمرحلة من اليأس لارغامه على المصالحة وليس احقاقاً للحق، فقضايا التنفيذ واخلاء السبيل لا يجوز فيها الطعن بالنقض، وفي بعض قضايا الفساد المعروفة يطعن المحامي في الاستئناف في أي طلب شكلي صغير أمام الاستئناف ويطعنون في النقض.
واضاف مهنا:"لا يوجد وسيلة قانونية تحد من هذا وتنظم آلية الطعن، وأن العالم اتجه إلى حلول منها زيادة الرسوم في التقاضي لزيادة جدية التقاضي، التي تزداد كلما رفعت القضية لمحكمة أعلى، ونحن رسومنا رمزية، بل وتقل إلى النصف كلما ارتفعت درجات التقاضي".

وأقر مهنا أن القوانين القديمة والحديثة تركت السقف الزمني مفتوحاً لدرجات التقاضي، وقال: لم نبذل جهداً في تنظيم الجانب الإداري للدعوى في القوانين، للحد من بقائها في المحكمة لسنوات ودون مانع قانوني، والمطلوب مطالبة الشخص قبل أن يقدم لائحة الدعوى تبليغها للخصم أولاً، وأن يقدم لائحة الدعوى وحافظة المستندات في كل البيانات مرة واحدة وأن تحدد جلستان لكل خصم لتقديم بيناته وبالتالي تبقى القضية لسنوات في المحكمة دون مانع قانوني من استمرارها.
ورآى أن التشريعات يجب أن تحدد العمر الافتراضي للدعوى وأدوات قياسه، فالقضايا الحقوقية ومع توفر كل العوامل المطلوبة لسير الدعوى بشكل طبيعي فإن أي دعوى لا تحتاج لأكثر من عشر جلسات، تعقد كل واحدة منها خلال شهر ونصف وبالتالي تحدد الفترة الزمنية لكل دعوى بما لا يزيد على عام ونصف. وتحديد السقف الزمني يعني أن يضطر الخصوم الى الاستعجال وتقديم بيناتهم ضمن الفترة المحددة.

وانتقد د. مهنا الإدارة التقليدية للدعوى التي تلقي بالحمل الأساسي على القاضي، الذي يبدأ عمله من لحظة تقديم الدعاوى وتحديد الجلسة وفحص الطلبات واللوائح وحصر البينات وتحديد نقاط الاختلاف والنظر في الطلبات الطارئة، بينما النظرية الجديدة تشير إلى أن جزءاً كبيراً من إدارة الدعوى ليس عند القاضي بل عند المساعدين القضائيين مما يوفر الوقت والجهد على القاضي مشيراً إلى انه حين تصدر هيئة المحكمة قراراً فإن الهيئة الأخرى لا تعرف عنه لأن الآلية قديمة ومتآكلة.

ومن خلال زيارات المجلس التبادلية مع التجارب القضائية العربية ثبت للمجلس شح الامكانات المادية التي من الممكن أن ترتقي بعمل القضاء وأجرى مقارنة سريعة مع الإمكانات في الأردن فقال: "لدينا 184 قاضياً في الضفة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني نسمة وهذا يعادل ثلث سكان الأردن التي يبلغ عدد القضاة فيها 1000 قاضياً في بلد فيه ستة ملايين نسمة، وإذا قلنا أن السكان في فلسطين هو ثلث الأردن، هذا يعني أننا بحاجة إلى أكثر من 330 قاضياً أي ضعف العدد الحالي. وأضاف ومن الناحية الإدارية لدينا ألف مواطن اداري و127 على عقود، بينما في الأردن 4500 موظف، وهذا يعني أننا بحاجة إلى 1600 موظف اضافي.
وأكد أن الدعوى في الأردن تؤجل من 15 يوماً إلى شهر، وقال: "هنا وبعد أن توليت المجلس منذ ستة شهور فإن أكثر فترة تأجيل هي شهران و10 أيام علماً أن شهر العمل هو 22 يوماً وتساءل: إن ما يحكم أجندة القاضي عدد المدور من القضايا فإذا كانت 500 لدى القاضي الواحد، فإنه وخلال 22 يوماً هناك أكثر من 20 ملفاً يومياً، فهل يستطيع القاضي يومياً الاستماع لبينات العشرين ملفاً؟ وأجاب: "هذا صعب طبعاً، ولا يستطيع القاضي السماع لبينات أكثر من4 ملفات والباقي يمر عليه سريعاً". وأكد أنه يراقب حاليا عبر الحاسوب أجندة القضاة ويتصل معهم مباشرة ليستفسر مثلاً عن سبب وجود أربعة قضايا أو عشرين على أجندتهم".
وقال مهنا: "إن عدد القضايا المدورة في الثلاث درجات تقاضٍ من صلح وبداية واستئناف وعدل عليا ونقض واستئناف ضريبي وبداية جمركية ومحكمة استئناف جمركي أكثر من 50 ألف قضية، وبعد الحكم في القضية تذهب إلى التنفيذ وهو مرحلة جديدة، مؤكداً أن القضايا المدورة ليست متروكة بل هي في الاجراء ولم يصدر فيها قرار بدرجة معينة. وأكد أن عدد المدور للتنفيذ يصل إلى 150 ألفاً، وهذا يعني أن نسبة مخرجات المحاكم من القرارات التي تصل التنفيذ لا تساوي أكثر من 20% وأن 80% لا يصل عبر المحاكم بل بشكل مباشر من الناس إلى التنفيذ لاسيما معاملات الأوراق المالية والشيكات وسندات الدين العدلي ونفقة الشرعي وهي مؤشر على ثقة الجمهور، وأن المواطن حين يتوجه للتنفيذ مباشرة يختصر سنوات في المحاكم. وقال: إنه ولتنفيذ هذا الحجم الهائل من القضايا في التنفيذ يجب أن يتوفر أضعاف الموظفين الحاليين، بينما التنفيذ لدينا هو دائرة من دوائر المحاكم وعدد الموظفين فيه لا يصل 100 موظف. وأكد أن المجلس يبحث في مشروع نوعي لتخفيف العبء في القضايا التنفيذية سواء على المحامي أو المشتكين من خلال نظام إلكتروني يوفر الوقت والجهد عليهم.
واعتبر رئيس مجلس القضاء أن تباليغ المحاكم "هي محطة فساد تاريخية، وقال: لدينا الاف التباليغ غير المبلغة في الجزاء، فالمُحضر يأخذ رشوة لإيصال الدعوة وحين يصل يأخذ رشوة أخرى كي يبلغ المحكمة أنه لم يجد الشخص المراد تبليغه، وأضاف أن جزءاً أساسياً من التباليغ هي من واجب الشرطة التي لا تستطيع الوصول إلى كافة المناطق". وحول تقاعس الشرطة كأحد أجهزة العدالة أكد أن عدم حضور الشرطة لتشهد في المحاكم أمر صحيح من جهة لكن من جهة أخرى وبالتواصل مع القيادة العامة للشرطة فإنه أحياناً يحضر الشرطي لكن يكون الموعد خطأ أو تغير، عدا عن أن الشرطة قد تكون في مهمة عمل سواء سفر أو دورة تدريبية ولا تستطيع الحضور بل إن المحامي أحياناً لا يستطيع الوصول بسبب الحواجز، وهناك ظروف تتعلق بتقسيم المناطق وأن احضار سجين مثلاً يستلزم التنسيق مع الجانب الاسرائيلي وتسجيل حتى نوع المسدسات التي يحملها افراد الشرطة، بينما في بلد طبيعي كالأردن تقوم شرطة النجدة بإحضار الشهود بسياراتهم.
يذكر ان الوزير مهنا الذي أتيحت له فرصة العمل في ساحة العدالة من عدة جهات: محامياً، ووزيراً للعدل، ونقيباً للمحامين ونائبا للنقيب لفترة طويلة، عدا عن منصبه الحالي يحمل رؤيا تحاول الجمع ما بين كل هذه الخبرات أوضحها قائلاً: "للنهوض بالقضاء لابد من ترميم الصورة النمطية عن القضاء في ذهن الجمهور بتحسين الأوضاع في نقاط التماس معهم المتمثلة بمحكمتي الصلح والبداية، عبر الارتقاء بعمل هذه المحاكم.
وأكد أنه ومنذ توليه تم مراقبة أجندات القضاة وحتى أوقات دوامهم ومواعيد الجلسات وبدلاً من أن تبدأ الجلسة في العاشرة والنصف صباحاً كما في السابق صارت تبدأ في الثامنة والنصف وهذا يزيد الإنتاجية.
وأضاف أنه يفترض ضمن هذه الرؤيا أن الجمهور على حق دائماً وهو مرفق العدالة لذا يجب التعامل معه باحترام وأي قاضٍ يسيء لمواطن سيتعرض لمساءلة ولدينا قضاة سيخضعون لمجالس تأديبية لاساءتهم لمواطنين أو للتعامل معهم بفوقية وذلك لرفع المستوى النوعي لعملنا.
وفيما يتعلق بالحد من فساد المحضر قال ان الحل الأمثل الذي يسعى المجلس لتحقيقه هو إحالة ملف التبليغات لشركة خاصة، وفرض خيارين للخصوم في المحاكم إما أن يدفعوا ويضمنوا وصول التبليغ عبر شركة، أو اللجوء للمحضر.
وفيما يتعلق باشكالية القضايا في التنفيذ والمتمثلة بضغط المراجعين من مواطنين ومحامين قال مهنا: وجدنا أنه يمكن معالجته بجهاز يشبه أنظمة الصراف الآلي، الذي سيكون متوفراً خارج المحاكم وفي مكاتب نقابة المحامين وستمكن المحامي والمواطن من إدخال طلباته على مدار الساعة، وسيكون الجهاز الأول من نوعه من حيث هذا الاستخدام عالمياً. 94
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد