44-TRIAL- رغم تهديد الولايات المتحدة باستخدام حق النقض ضده، فإن القيادة الفلسطينية تقدمت الأربعاء الماضي، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال في فترة زمنية محددة، المصادر الفلسطينية أشارت إلى أن مُسوّدة القرار هي صياغة مشتركة بين نصين، فرنسي وعربي، مع أن المشروع تم تقديمه باسم مجموعة الدول العربية في مجلس الأمن عبر الأردن ممثلها في المجلس.
محاولات وزير الخارجية الأميركية جون كيري التي سبقت التقدم بالمشروع إلى مجلس الأمن بأيام قليلة، عبر جولته في عواصم أوروبية، لم تنجح في ثني الجانب الفلسطيني عن التقدم بالمشروع في الموعد المحدد ـ رغم تكرار المواعيد بهذا الشأن ـ إلى مجلس الأمن، ذلك أن الجانب الفلسطيني بات على قناعة راسخة أن واشنطن لن تتخلى عن إنقاذ إسرائيل في مجلس الأمن باستخدامها حق النقض في كل الأحوال، الأمر الذي يجعل من تأجيل التقدم بالمشروع إلى المجلس لا مبرر له طالما لم يتغير الموقف الأميركي بهذا الشأن.
وكما جرت العادة في مجلس الأمن، فإن المشروع سيطرح في صورته النهائية عبر الوسائط الإعلامية للأمم المتحدة، مع ذلك فإن المزيد من اللغط والتناقض حول صياغة المُسوّدة لا يزال طاغياً لدى الرأي العام الفلسطيني، حول الصياغة الأساسية للمشروع الفلسطيني، وقيل إن ما طرح في اللجنة التنفيذية حول المشروع كان مجرد أفكار، وليس صياغات نهائية، وان هذه الصياغات لم يتم بحثها في الاجتماع المشار إليه، الأمر الذي زاد من البلبلة في مختلف الأوساط الفلسطينية وترك المجال مفتوحاً، دون أي داع، لاتهامات وانتقادات واسعة وأحاديث عن تراجعات وتنازلات، وردود فعل على هذه وتلك، ومن دون أن يصل أحد، خارج دائرة صنع القرار الضيقة، إلى حقيقة الصياغة النهائية للمشروع المقدم، مع أن مجلس الأمن سينشرها في نهاية الأمر، وكان الأولى والأجدى، أن ينشر هذا المشروع المقدم من جانب فلسطين، من الجانب الفلسطيني نفسه، إذ لم يعد هناك مكان للاختباء! بل ان الاختباء في مثل هذه الحالة، ما هو إلاّ تعبير عن الارتباك، ويزيد من فرص الباحثين عن الأخطاء والخطايا للتصعيد حسب قناعاتهم واستهدافاتهم.
ومع أن أكثر من 72 ساعة قد مرت على التقدم بالمشروع إلى مجلس الأمن، إلاّ أنه لم يتم التصويت عليه، حسب تصريح وزير الخارجية السيد المالكي، الذي قال إن التصويت سيتم خلال 24 ساعة من تقديمه إلى المجلس (!) المحللون السياسيون كانوا أكثر واقعية وأكثر فهماً لطبيعة عمل مجلس الأمن، إذ ان معظمهم أشار إلى أن جولات من المشاورات والتعديلات ستطرأ على المشروع، والأمر بحاجة إلى المزيد من الوقت، هناك أعياد الميلاد، وهناك رغبة في تعديلات تأخذ بالاعتبار الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي، لتجنب استخدام واشنطن لحق النقض، الأمر قد يتطلب عرض المشروع للتصويت مع بداية العام القادم، وليس خلال 24 ساعة.
تأجيل التصويت خيار أميركي إذا تعذّر إقناع الجانب الفلسطيني بعدم التقدم بالمشروع من الأساس إلى مجلس الأمن، واشنطن ضغطت بكل الاتجاهات، على الفلسطينيين كما على الحلفاء الأوروبيين بضرورة التأجيل، لأسباب تعتقد واشنطن أنها مقنعة، ذلك أن هناك انتخابات برلمانية إسرائيلية منتصف آذار القادم، ومن المتوقع أن تكون هناك قيادة جديدة في إسرائيل ربما تكون أكثر مرونة في التعاطي مع الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ولم تنس واشنطن وهي تحاول إقناع الأوروبيين بالضغط على الجانب الفلسطيني معها، لتأجيل التقدم بالمشروع أن تكرر الموقف الإسرائيلي القائل، بأن قيام دولة فلسطينية الآن، معناه سيطرة داعش وأخواتها على الضفة الغربية وقطاع غزة ، دولة داعش هي البديل الواقعي عن دولة فلسطين في مثل هذه الظروف، حسب ادعاء إسرائيل، وبالتالي فإن الزمان الحالي ليس هو المناسب للتوصل إلى حل في مجلس الأمن، بل إن الحل كان ولا يزال عبر مفاوضات ثنائية إسرائيلية ـ فلسطينية. 
ورغم كل ما يحيط بالأمر من غموض، فإن مجرد التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن، يعتبر أمراً بالغ الأهمية، إذ إن العمل السياسي والدبلوماسي، في الأطر الإقليمية والدولية، هو جزء أساسي من عملية المواجهة مع الاحتلال، وللتذكير فإن قيام دولة إسرائيل تم بشكل قانوني من قبل المنظمة الدولية التي أصدرت خلال العقود الماضية عدة قرارات، سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن دون أن تنجح هذه المنظمة في الضغط على إسرائيل لتنفيذ هذه القرارات، لكن لهذه المسألة جانباً آخر لا يقل أهمية وخطورة، إذ ليس المهم فقط التوجه إلى مجلس الأمن، بل التوجه المدروس والدقيق بالالتزام بجوهر القضية الوطنية الفلسطينية، وحل الدولتين على أساس إنهاء الاحتلال حسب حدود 1967، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
إن الخشية من أن عملية التشاور والتعديلات والاقتراحات، قد تنسف جوهر المشروع الفلسطيني ما زالت قائمة، على ضوء الضغوط الهائلة، أميركية وأوروبية وإسرائيلية، وحسب بعض المسؤولين الأوروبيين، فإن المجموعة العربية ليست مقتنعة تماماً بالتقدم في مثل هذه الظروف بهكذا مشروع من الجانب الفلسطيني.
وإذا كان الفلسطينيون في هذا السياق أمام خيارين وحيدين، إما مشروع فلسطيني متكامل يحافظ على مكتسبات وأهداف الثورة الفلسطينية، تستخدم واشنطن حق النقض ضده ويفشل، أو خيار ثان: مشروع يتم تعديله ليتلاءم مع الاستخدامات الأميركية ـ الإسرائيلية، وبحيث تمتنع واشنطن عن استخدام حق النقض، أو تؤيده، وينجح، فإننا مع الفشل بالتأكيد.. في هذه الحالة!!
Hanihabib272@hotmail.com
271

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد