مما لاشك فيه أنّ الإعلام بوسائله المختلفة، بات يلعب دوراً كبيراً في الساحة الفلسطينية من خلالعرض الأحداث ومتابعتها وتحليلها، ويمكنه من خلال هذا الدور أن يوّلد انطباعاتوأجواء ايجابية أو سلبية بحسب نهجه وطرق تعبيره عن الأحداث المختلفة.

كما يمكنلوسائل الإعلام أن تقوم بدور فاعل في خدمة  التوجهات الشعبية لتحقيق المصالحة الوطنية وتهيئةالأجواء أمام القوى والتيارات السياسية لإيجاد سبل وبناء جسور التفاهم وصولاً إلى الاتفاقعلى الحدود التي تحفظ للوطن الفلسطيني وحدته الوطنية، ولكن يلاحظ -في بعض الأحيان الكثيرة-أن بعض وسائل الإعلام مع الأسف الشديد، لا تقوم بهذا الدور الوطني الإيجابي وإنما تحوّلت إلى مسرح للمساجلات الكلامية وتبادل الاتهامات وتضخيم الأحداث، بشكلٍ يؤجج من حالةالصراع ويصب الزيت على النار، وفي اعتقادي أنّ ذلك يعود إلى ارتباط العديد من وسائلالإعلام من صحافة وإذاعات ومحطات تلفزة بالقوى السياسية/ الحزبية المتصارعة نفسها، فهيالوعاء الذي يعبر عن الصراع والخلاف، من وجهة نظر الحزب أو الفصيل السياسي. ويعرض ما يتبناه من مفاهيم ورؤى لهذه القضية أو تلك،وقد يكون من الطبيعي أن تظهر وسائل الإعلام وجهة نظر القوى، التي تملكها أو تنتميإليها، ولكن من المهم التأكيد  هنا على ضرورة انتهاج الإعلام أسلوباً موضوعياً وهادفاً، يحرص علىالتخفيف من حدّة الصراع  وإيجاد نقاط التقاء وعوامل تفاهم مشتركة، مع تجنب أي تعبيرات من شأنها أن تؤدي إلى تضخيم الأحداث والصراعات وإعطائها أبعاداً سلبية، تنعكسعلى الأوضاع في الشارع الفلسطيني، وتساعد في تصعيد الاختلافات السياسية والحزبية وردود الأفعال عليها. وغالباً ما يذهبالمواطنون الأبرياء ضحيتها في أكثر الأحيان.

إنني لا أدعو إلى تقييد الإعلام أو جعله أحادي الرؤية، فهذه عيوب خطيرة، بل على العكس من ذلك فإنّ الاختلاف في وجهات النظر، يمّثل حالةً صحّية مطلوبة فيما لوكانت وسائل التعبير عن ذلك الاختلاف بوسائل وأساليب ديمقراطية وموضوعية، تقوم علىاحترام الرأي والرأي الآخر، وعدم مصادرة وجهة نظره، وإتاحة الفرصة للجميع من أجل تبادل وجهات النظر،للتخفيف من حالة الاحتقان، وعدم التركيز على القضايا الخلافية، كما أنّ علىالقادة السياسيين من الأحزاب والفصائل المختلفة، سواء أكانوا في الحكومة أو في المجلس التشريعي، من هذا الحزب أو ذاك، أو من قادة القوى والتيارات السياسية الأخرى،أن يجعلوا من تحليلاتهم وتصريحاتهم عبر وسائل الإعلام، وسيلة لردم الهوة والثغراتالقائمة، و فتح آفاق التعاون بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني، بما يخدم المصلحة والوحدة الوطنية، وصولاً إلى مصالحة وطنية حقيقية، تقوم على أسس وثوابت المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى برنامج عمل وطني مشترك، لا يساهم فيوضعه فقط الجميع، بل ويتفقون على تنفيذه.

إنّ المؤسسات الإعلامية الرسمية، - على قلتها- مطالبة قبل غيرهابالتزام هذا النهج وفتح منافذها أمام الجميع للتعبير عن وجهة نظرهم بشكلٍ حيادي،لا ينحاز إلى أية جهةٍ،مهما كانت، بما يصب في مصلحة وطننا وتقريب وجهات النظر.

كما أنّ علىأية وسيلة إعلامية تعود إلى أي تنظيم أو فصيل حزبي، أن تطرح وجهات نظرها حتى في القضاياالخلافية بما لا يسيء إلى لطرف الآخر، فليس هناك حقيقة مطلقة، يمتلكها جانب واحد،وعلى الجميع إبداء المرونة وتقديم التنازلات المقبولة شعبياً وإشاعة روح التسامح وعدم إقصاء الآخر أو تجريمه أوتخطئته كلياً، وبعكس ذلك فإنّ أية تصريحات أو تحليلات، تستبعد لغة الحوار وتلجأ إلىالتهجم والإدانة الكاملة للآخر وتضخيم الخلافات وإعطائها أبعاداً وأسباباً غيرموضوعية، ستكون مشّجعة على توتير الأجواء وجعل كل فريق ومن يتبعه يتمترس وراء مواقفه، حتى ولو كانت خاطئة،وبالتالي يرفض الآخر.

إن الكثير من أعمال التوتر السياسي والمجتمعي والصراع وحتى الاقتتال الداخليوالاستقطاب الحزبي، لعبت في تأجيجها تصريحات غير مسؤولة، صدرت من شخصياتمحسوبة على هذا الطرف أو ذاك، حتى من دون انتظار لإظهار الوجه الحقيقيلأي حدث بروحٍ موضوعية ومسؤولة.

لذلك فإنّ المطالوب من الحكومة أولاً - هنا وهناك-  أن توّحد خطابهاالسياسي، خاصة الخطاب الموّجه إلى الاحتلال الإسرائيلي وإلى العالم الخارجي،  وأن تدّقق في تصريحات المسؤولين لديها، وأن يؤمن القادة السياسيون -وأن يعملوا على ذلك-  بأنّ  قاعة المجلس التشريعي ومجلسي الرئاسة والوزراء،  المجال المناسب لمناقشة وجهات النظر المختلفة وإصدار التصريحات المسؤولة حول أي حدثسياسي أو مجتمعي، لكن ما يحدث اليوم هو قيام بعض المسؤولين في الحكومة أو المجلس بالتصريحشخصياً عن وجهة نظر الجهة التي ينتمي إليها، ما يفقد الحكومة وحدتها المطلوبة ويسلبهامسؤوليتها عن إدارة شؤوننا الوطنية ، سواء الداخلية منها أو الخارجية.

إنّ وعي المسؤولين والاعلاميين لهذهالحقائق والاتفاق على سياسة إعلامية هادفة، تجنب وطننا الانزلاق  في دوامةالانقسام والاقتتال الداخلي، من شأنها أن تخفف كثيراً من حدّة  الصراعات غير الموضوعية وغير المبررة، التي تشهدها ساحتنا الوطنية منذ الانتخابات التشريعية الثانية.

*

إعلامية وباحثة وناشطة نسوية

Donia_elamal2002@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد