السيد بنيامين نتنياهو ، أرسل، وهو في طوكيو، برقية إلى وزرائه ومستشاريه، طالبا منهم فيها إعداد أفكار مبتكرة لمعالجة الموقف السياسي، بعد وصول جهود كيري إلى طريق مسدود، وبعد المصالحة بين فتح و حماس ، وللإيحاء بأن الرجل بدأ يفكر بتركيز شديد في عملية السلام، فقد شدد في رسالته على أن الأفكار التي يطلبها من المساعدين يجب أن تضمن عدم تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.

ومصطلح الدولة ثنائية القومية، يُستخدم في إسرائيل للشيء وعكسه؛ فالذين يريدون حل الدولتين، وهم يساريون أو ليبراليون، يستخدمونه من أجل تثبيت موقفهم، والذين لا يريدون فعلا حل الدولتين، يستخدمونه لتبرير سياساتهم الإلحاقية، وأهم هؤلاء السيد موشي أرينز أحد المنظِّرين التاريخيين لليكود.

ومؤخرا جرى تخويف نتنياهو منه، حين أشار إلى ذلك صراحة الرئيس أوباما، ووزير خارجيته كيري، وممثلهما في العملية السياسية مارتن إنديك. فما هي يا ترى الأفكار المبتكرة التي يتطلع نتنياهو للحصول عليها، وخصوصا من وزرائه، وغالبيتهم من المبالغين في التشدد، ونفي أبسط الحقوق الفلسطينية؟!

إن إلقاء الأضواء الكاشفة على رسالة نتنياهو لوزرائه ومساعديه، تظهر احتمالا قويا بأن الرجل سيدخل إسرائيل والأميركيين والفلسطينيين في دوامة جديدة، عنوانها الأفكار المبتكرة، وسيدعو العالم كله إلى مناقشة هذه الأفكار، والمبادرة بجهود حثيثة لإقناع الفلسطينيين بها، ولن يعدم نتنياهو المناورة بسطر فيه بعد إيجابي يستخدم كإغراء للدخول في مناقشات طويلة الأمد، وهو بهذه المناورة يحذو حذو سلفه إسحق شامير، الذي حين أحضر صاغرا إلى مؤتمر مدريد، برر حضوره بتصريح مدوٍّ قال فيه إنه «سوف يشغل الفلسطينيين والعرب والعالم في جدل يستغرق عشرات السنين». وهذا ما حدث بالفعل؛ فلقد مر على مؤتمر مدريد أكثر من عقدين، ومن خلال قراءة موضوعية لما حدث منذ ذلك الوقت، فإننا نرى أن الذي تحقق بحرفيته هو تكتيك شامير.

إن نتنياهو الذي يسعى لحل يتفادى فيه تحوّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، يدرك جيدا أن هذا الحل بالذات هو حل الدولتين، وأي اقتراح ينكر هذا الحل، فلا أمل له في الحياة لا في إسرائيل ولا مع الفلسطينيين، ولا على صعيد أميركا وأوروبا وغيرها من دول العالم المعنية بالسلام الشرق أوسطي، وإذا ما رغب نتنياهو حقا في تفادي تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، فليس أمامه سوى التخلي عن سياسته التي دوخت حلفاءه الأميركيين قبل غيرهم؛ تلك السياسة التي لا توفر جهدا من أجل إعاقة أي تقدم في المسار السياسي مع الفلسطينيين، بل إن مضمونها الجوهري قوامه الإعاقة ثم الإعاقة إلى ما لا نهاية.

وإذا ما أراد نتنياهو فعلا أن يتفادى تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، فليس أمامه كذلك إلا أن يغير ائتلافه الحكومي الحالي، الذي يجمع فيه النقائض تحت سقف واحد، وفي وضع كهذا فلا أمل بإنتاج سياسة متوازنة تستجيب لجهود الأصدقاء والحلفاء، قبل أن تستجيب لمطالب الفلسطينيين.

على كل حال، لقد عودنا السيد نتنياهو على مناوراته التي لا تتوقف، بل إنها العلامة الفارقة لسياسته، وإذا ما رغبنا في أن نكون حسني النية، ونرى بصيص أمل في توجهه الراهن، فيكفينا أن نراقب قراراته وخياراته، فإذا كانت إيجابية وعقلانية، فلديه ائتلاف بديل يمكن أن يلوذ به، أما إذا جاءت كما ترغب غالبية حكومته، فبوسعنا تسجيل الأمر كله تحت بند مناورات ملء الفراغ وتدويخ العالم بأفكار توصف، ولو لفظيا، بالجديدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد