181-TRIAL- لكثرة ما تم التوقيع عليه من اتفاقات وتفاهمات مصالحة لم يعد أحد يعرف رقم التفاهم الأخير في عداد الاتفاقات السابقة والتي أحيلت للتقاعد قبل أن تبحث أطراف الاتفاق حتى إذا ما كان ممكناً تنفيذها أم لا، ويتكرر السيناريو في كل مرة، يرتفع منسوب التفاؤل لدى المواطنين في البداية ومع عودة الكرة إلى مربعها الأول وسيل الاتهامات الذي كان يلي الاتفاقات السابقة يحل التشاؤم من جديد، وهكذا المشهد الذي طغى على الحالة الفلسطينية لسنوات سابقة.
أتذكر المرة الأولى التي تم التوقيع فيها على أول الاتفاقات وهو اتفاق القاهرة، يومها خرج الناس احتفالا، حيث ازدحمت شوارع غزة ابتهاجا بما تم التوصل إليه، ومع الزمن يبدو كأن الناس لم تعد تأبه ولم تعد تصدق لأن الأمر تكرر حد الملل، وأصبح المواطن يحفظ عن ظهر قلب هذا السيناريو الموسمي والذي بدا أكثر من مرة أن نتيجته أشبه بالحمل الكاذب. هذه المرة هل هناك اختلاف؟ هل توصلت الأطراف إلى صيغة استعصت عليها في السنوات الماضية؟ وبشكل مباشر هل نحن أمام إنهاء للانقسام كما يحلم كل مواطن فلسطيني؟ ممكن القول أن الاختلاف الأبرز هذه المرة هو في النوايا والرغبة بإغلاق هذا الملف ولكن هل يمكن ذلك؟ هذا هو السؤال الذي بات يقفز حين يتم الحديث عن المصالحة وخصوصاً بعد توقيع اتفاق الشاطئ.
هنا المشكلة، فالأزمة في الإمكانيات وليست في الإرادات، وهنا الإمكانية سياسية بامتياز وهي المشكلة التي لم يتم بحثها حتى اللحظة بين الطرفين، لنقول أن الأمر مختلف حقاً بعد الاتفاق الأخير، وإن اقتربت الأطراف من نقاش الأزمة أو توقفت على حوافها حين تحدثت على خجل عما أسمته "قرار الحرب والسلم" دون أن تسمي الأشياء بمسمياتها. الجميع تفرد بالبرنامج الذي يريد حين توفرت له فرصة الحكم، سواء قرار السلم أو قرار الحرب، ولكن المشكلة هنا أيضاً كما ترى السلطة ليست وحيدة القرار بل بشكل أكثر وضوحاً بقرار حركة حماس بالصدام مع اسرائيل، في حين أن التزاماتها على النقيض من ذلك، وأن تلك الالتزامات أصبحت جزءا من منظومة علاقات ليست فقط مع إسرائيل بل ومع الإقليم والمجتمع الدولي، وإذا كان يمكن لحركة حماس أن "تتوقف عن قرار الحرب" فلا يمكن للسلطة أن "تتوقف عن قرار السلام" لأن ذلك يعني انهيار السلطة أو حلها، لأن الدور الوظيفي الذي أنيط بالسلطة منذ تشكيلها وهو التفاوض مع إسرائيل لحل القضايا الخلافية بما فيها قضايا الحل النهائي بعيداً عن العنف ولمدة محددة، وقد امتدت هذه المدة كيف ولماذا؟؟ هذا موضوع آخر يعبر عن أزمة أخرى.
المصالحة تعني عودة السلطة لممارسة عملها في قطاع غزة، وهذا ما اتفقت عليه الأطراف بتعبير آخر، وهو تمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل أو صيغ أخرى، ولكن السلطة ليست أفرادا بل التزامات واتفاقيات وسياسات ناتجة عن التزاماتها، وما هو موجود على الأرض حالة رفض للاتفاقيات والاعتراف بها والالتزامات وسياسات مغايرة تماماً، فكيف يمكن تركيب المعادلة.
إن ما يجري الحديث عنه في كل اتفاقيات المصالحة هو في القضايا الإدارية وليست السياسية، وهنا ربما تكمن أزمة كل المحاولات السابقة عن معبر رفح وبقية المعابر وعودة محدودة لحرس الرئيس وحكومة الوفاق، فالإدارة هي نتاج السياسة وليس العكس، والسياسة هي من يقرر الإدارة وشكل العمل.
هل علينا أن نعتقد أن معركة غزة الأخيرة أحدثت تحولات في السياسة؟ وهل علينا أن نعتقد أن هناك حديثاً سياسياً دخل في نقاش القضية الرئيسية أو حوار غير معلن يشي بفكفكة العقدة السياسية؟ وهنا الحديث الواضح عن البرامج والسياسات والتي لا تكفي فيها الإيحاءات بقدر ما أن السياسات تفرضها وقائع معلنة ينبغي الاعتراف بها.
لقد جرت في نهر السياسة مياه كثيرة في السنوات الأخيرة، وحين استعرت حدة الصراع وازدادت حرارته التي جففت ما كان يجري في النهر لأعوام سابقة، فإذ بنا نكتشف أننا أمام سياسات لم تقترب من الأهداف ولم تبتعد عن المغامرة، وأحياناً المقامرة إلى الحد الذي يجعل من عدم قراءة حركة التاريخ شيئا أقرب للدهشة وسؤال المصير الذي يتجنبه الكثيرون أو يتجنب الحديث المعلن فيه، بينما في الخفاء تدور كل الأسئلة التي تستحق أن تصبح عناوين رئيسية.
فهل كانت تلك الأسئلة هي مادة حديث صريح بين الأخوة الألداء... هل اقتربوا من حقل الأشواك أم أن النوايا الطيبة التي لم تذهب بهم أبعد من توقيع اتفاق هي الحاضر الوحيد في اللقاء الأخير؟.. هناك أسئلة معلقة ينبغي الإجابة عليها لأن نذر الأزمة بين الفلسطينيين والتي انتهت بانقسام غزة كانت أزمة السياسة والتي تمثلت بدخول حركة حماس للانتخابات، وبعدها لم يستطع الفلسطينيون حل عقدة الخلاف الرئيسية والتي تعود مع كل جولة مصالحة أو اتفاق.
تفاؤل حذر أو تشاؤم حذر يشبهان بعضهما حين يتعلق الأمر بجولات المصالحة، تفاؤل لما كان يجب أن يكون أو بإغماض الأعين ونظرية "لا يصح إلا الصحيح" وتشاؤم من كثرة عدد ما وُقع من اتفاقيات وما أُعلن من بشائر مرات عدة، والنهاية أن لا شيء سوى الواقع الذي يقول أن لدينا برنامجين متعارضين متناقضين من الصعب الجمع بينهما، وليس لأن أحداً لا يريد ذلك، فالجميع يتمنى ولكن المسار الذي دخله الفلسطينيون باتجاه واحد جعل الخيارات محدودة.
والسؤال الأبرز هل وصلت حماس في مراجعات الضرورة بعد العدوان إلى المحطة المخصصة لذلك والتي تشبه محطة ياسر عرفات بعد بيروت؟ أم أن الأيديولوجيا مرة أخرى ستقف عائقاً أمام السياسة؟ إذا كانت تلك المراجعات والتي جاء الإعلان عنها في بعض التصريحات تمس السياسة سنكون أمام تقدم، أما إذا كانت غير ذلك فسيكون هذا الاتفاق مثل سابقيه، فالأزمة سياسية بامتياز. 
Atallah.akram@hotmail.com
284

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد